ليبرمان ومارزل ليسا النبتة الضارة

28/10/2010
عوض عبد الفتاح - الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي- فلسطين - موقع عرب 48
اعتاد الناس وصف مجموعة صغيرة شاذة عن المجتمع، أو ظاهرة مُدانة غير مألوفة، بالنبتة الضارة. ما معناه أن النبة الضارة تنبت في حقل طبيعي، وأنه عندما نستأصل تلك النبتة يعود الحقل الى كامل نظافته واتساقه. والحديث هنا هو عن رئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، ووزير خارجية إسرائيل، وعن باروخ مارزل، رئيس حركة "إسرائيل لنا"، وكأنهما في نظر البعض نبتتان ضارتان نبتتا في مجتمع سوي.

ولكن اللافت في الأمر أن اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، أو المتحالفين مع النظام في الولايات المتحدة أو الراقصين على أكثر من حبل، غير راغبين، وبعضهم غير قادر على رؤية الواقع الحقيقي للحقل الإسرائيلي. فالحقل في هذه الحالة هو الضرر وهو الشاذ، والأعشاب غير الضارة، أو المفيدة لا توجد إلا على هوامش هذه الساحة.. ممثلة بشخصيات ومجموعات غير صهيونية، أو معادية للصهيونية وتؤمن بالقيم الكونية والانسانية وتصرخ، ولكن في وادٍ في البرية، بضرورة الاعتراف بالحق وإنهاء الحالة الكولونيالية في فلسطين / إسرائيل.

ليس هذا فحسب، بل إن هذه الأصوات اعتبرتها القبيلة الاسرائيلية أعشابًا ضارة، وسعت الى اقتلاعها من صفوفها. بعض أصحاب هذه الأصوات تهمّش، وبعضها هاجر ليواصل نضاله من الخارج. ذهبوا الى الخارج ليمارسوا إنسانيتهم ومعتقداتهم الكونية ضد القبيلة التي نبذتهم.

كان علينا نحن عرب الداخل أن نطلق صرخة أقوى وأكبر بكثير مما فعلنا حتى الآن، وذلك عندما أصبح أفيغدور ليبرمان جزءا من الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، ووزيرًا للخارجية بُعيد انتخابات الكنيست الأخيرة العام 2009. (أنا شخصيًا كان رأيي أن تعيين ليبرمان بل وفوز نتنياهو بالحكومة هو مفيد للحملة الإعلامية الفلسطينية العامة ضد السياسات الاسرائيلية ذلك أن الحكومة السابقة – كاديما لم تكن تختلف في برنامجها عن الحكومة الحالية. لكنها كانت أكثر قدرة على الخداع والتمويه. والدليل أن المفاوضات بين أحمد قريع وتسيبي ليفني استمرت لعشرة أشهر وفي الوقت ذاته كان الاستيطان متواصلاً). أقول ذلك ليس لأن ليبرمان ليس خطرًا ومؤذيًا للوجود العربي والفلسطيني ولطموحاته الوطنية، بل لأن وجوده في الائتلاف يُسهّل كشف واقع النظام السياسي الرسمي الاسرائيلي وبنيته العنصرية لمن لا يزال حتى الآن يتجاهل هذا الواقع أو غير قادر على رؤيته.

هذه البنية هي التي أنتجت كل الجرائم التي لحقت بالشعب الفلسطيطني، والتي اقتلعت اليهود من أوطانهم الأصلية ووضعتهم في أخطر منطقة في العالم، (طبعًا بسبب أطماع الاستعمار غير المتوقف على مرّ التاريخ وحتى اليوم).

كان على السلطة الفلسطينية والجامعة العربية أن يستغلا وجود حكومة متطرفة اسرائيلية لوقف التفاوض وإطلاق حملة شاملة على المستوى الدولي لكشف طبيعة النظام الكولونيالي ووقف التعلق بالأوهام، ووقف النزف المعنوي الداخلي، داخل الحركة الوطنية الفلسطينية. كنا ولا زلنا بحاجة لإزاحة الغطاء كليًا عن تواصل المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني داخل الضفة الغربية ومدينة القدس. وكانت ولا تزال هناك حاجة وطنية وكونية لتبيان الأمور ووضع المجتمع الدولي على السكة الصحيحة. فإلى متى يتواصل زرع الأوهام وتركيم (مراكمة) المقدمات لانفجار قادم أو لانفجارات قادمة.

ما هي الصهيونية، ما علاقتها بالعنصرية

لماذا توصف الصهيونية بالعنصرية، وعلى أي أساس أدانتها الأمم المتحدة كونها كذلك عام 1974. أولاً لأنها قامت فكريًا وعمليًا على اعتبار أن كل مواطن في أي دولة من العالم، يعرف دينيًا أو طائفيًا كيهودي، جزء مما يسمى بالأمة اليهودية، أي جعل الرابطة الدينية مكان الرابطة اللغوية والتاريخية التي تجعل مجموعة من الناس شعبًا. ثانيًا لأن الصهيونية تقول بضرورة إخلاء اليهود أو جزء كبير منهم من أوطانهم الأصلية. ثالثًا، لأن الحركة السياسية صاحبة المشروع الصهيوني – مشروع إقامة وطن قومي لليهود اختارت وطنًا لشعب آخر يعيش على أرضه منذ آلاف السنين لتقيم عليه وعلى أنقاضه كيانًا يهوديًا عبر اقتلاع هذا الشعب وتدميره وتدمير وطنه. رابعًا: لأن الكيان اليهودي الجديد وضع منظومة قوانين تكرس الطبيعة القومية-الدينية لهذا الكيان وتسدّ الباب في وجه غير اليهود وتبقيهم غرباء أو ضيوف طالما احترموا قوانين الضيافة.

أما على صعيد الممارسة داخل الدولة نفسها، وبالتحديد بعد إقامة الدولة اليهودية وبالرغم من توقيعها على وثيقة الأمم المتحدة المتعلقة باحترام الأقليات غير اليهودية، واعتراف هذه المؤسسة العالمية بها، فقد مضت قيادتها، المتطرفة والمتهورة، والعنصرية، بتنفيذ برامجها بأساليب مختلفة سواء عبر سن القوانين العنصرية أو عبر السياسات العامة.

وقد سكتت القوى الكبرى على سياسات اسرائيل الداخلية والخارجية. ولم تصل بعض انتقادات تلك الدول للسياسة الاسرائيلية، في محطات أو أثناء أحداث كبيرة، إلى الجوهر. إذ تحولت إسرائيل إلى دولة طبيعية رغم أنها قامت بواسطة التطهير العرقي المحرّم دوليًا.

وقامت على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين، متجاوزة نسبة ما خصص لها قرار التقسيم الظالم بحوالي 25%. ولم يتغيّر الموقف منها حتى بعد احتلالها بقية فلسطين. فقد كانت ولا تزال المصالح متشابكة بصورة عضوية بين إسرائيل وقوى الاستعمار العالمي. واصلت اسرائيل احتلالها بدون ضغوط خارجية جدية، وتغيّر مستوى هذه الضغوط بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية والذي لم يؤدّ إلى نتيجة جوهرية بسبب طبيعة التحالفات مع الغرب، وبسبب إخفاقات الحركة الوطنية الفلسطينية في حركة التحرّر العربي وسوء إدارة الصراع مع إسرائيل.

النظام العنصري داخل الخط الأخضر

انفتحت عيون كثيرة على إسرائيل في السنوات العشر الأخيرة، ليس فقط على احتلالها لأراضي عام 67، بل الأهم على جوهرها الداخلي، على جذر القضية. لم يعد بالإمكان رؤية الاحتلال الكولونيالي الاسرائيلي في الضفة والقدس كترتيبات مؤقتة وخارجية. لقد بدأ يتنبّه الكثيرون الى حقيقة أن ذلك جزء من بنية إسرائيل العنصرية والكولونيالية. كانت إسرائيل تريد أن تحتفظ بكامل "أرض إسرائيل"- فلسطين الإنتدابية عبر تجميل واقع غير اليهود بمنحهم حكمًا ذاتيًا أو أكثر قليلاً في الضفة والقطاع.

ولكنها تواجه الآن وبصورة متزايدة بتحدٍ من نوع جديد. ولسان حال هذا التحدي هو: إذا كنتم تريدون دولة واحدة في كل فلسطين – "أرض إسرائيل الكاملة" حسب المفهوم الصهيوني، فأهلاً وسهلاً، ولكن لتكن دولة ديمقراطية واحدة تطبّق فيها الديمقراطية بحذافيرها؛ المشاركة المتساوية في حكم البلاد، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم مواطنين في فلسطين قبل أن تطردهم الدولة أو الحركة الصهيونية قبل أن تقونن ذلك نظريًا، عبر قانون حق العودة والمواطنة.

لقد كان من العوامل الأساسية التي كشفت مأزق إسرائيل الراهن الوجود العربي في داخلها والذي فرضت عليه المواطنة الاسرائيلية عام 1948، ونمو وعيه السياسي وإطلاقه مبادرات ورؤى ديمقراطية إنسانية تتصادم مع رؤى الدولة العبرية – العنصرية والمعادية للمساواة والقيم الكونية.

كيف تتعامل إسرائيل مع هذا التحدي وهو ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه، وإن كان أكثرها حدة؟

ما يطرحه ليبرمان لا يعكس الجوهر العنصري والبيئة الموبوءة التي نشأ فيها، بل يعكس المأزق الذي تعيشه إسرائيل الآن. وتعكف نخبها على التفكير في كيفية حلّ هذا المأزق بأقل الأثمان. ويستعجل بعض سياسييها النزقين في طرح الحلول بصورة فظة، في إطار المنافسة على كسب ودّ وتأييد الجمهور الاسرائيلي الآخذ بالانزياح المستمرّ نحو التطرف والكراهية.

هل بإمكانها تكرار جريمة الطرد الفعلي للعرب! لا أعتقد ذلك. فالترانسفير الفعلي مستبعد لأسباب موضوعية كثيرة.. منها أن شرعية إسرائيل ستتعرض لخطر حقيقي. ولذلك هي اختارت خيارًا يقع بين الطرد الفعلي والاحتلال العسكري المباشر. إنه خيار دولة البانتستونات في الأراضي المحتلة عام 67 عبر الانسحاب الأحادي وفرض السيطرة الجوية والحدودية، وخيار فرض الولاء على عرب الداخل وقضم ما تبقى من حقوق في المواطنة. وهذا من شأنه، ووفق ما يحلم به الصهاينة، أن يؤدي إلى هجرة بعض الفلسطينيين.

باختصار إنها تعمل على رسم حدود الدولة اليهودية النهائية بأقل ما يمكن من العرب وأقصى ما يمكن من الأرض. إنها تضحي ببعض الجغرافيا لحساب الديمغرافية والديمقراطية. والتضحية بالجغرافيا، ليست إلا جزئية، فإسرائيل تخرج من الأرض المأهولة، أي من داخل السجن لتحاصره من الخارج كما هو الحال مع قطاع غزة الذي هو أول جيب في مجموعة الجيوب المخططة في الضفة الغربية في إطار الدولة الممسوخة.

لكن كل هذا وهم. هي تعتقد أنها تهرب من سيناريو التحوّل من دولة احتلال عسكري مباشر إلى حل آخر ترفض أن ترى فيه أنه نفس النظام الذي تريد الهروب منه خوفًا مما يترتب عليه، أي أن يتحوّل إلى نظام أبارتهايد.

نعم إن ما تقوم برسمه الآن هو أسوأ أصناف أنظمة الفصل العنصري، فهو أيضًا يضم عرب الـ 48 إلى هذا النظام.

الاعتداء الوحشي الذي نفذته الشرطة ضد المتظاهرين في مدينة أم الفحم حماية للعنصري مارزل يؤكد هذا التشخيص لحالة النظام الإسرائيلي، وبالتالي يؤكد على الحاجة لتوجيه حملتنا السياسية والإعلامية والجماهيرية والدولية ضد هذا النظام، نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.

إذا تواصل هذا المخطط، وتوالت دينامياته، فمن المفترض أن تكون الأمور واضحة لكل من يتجاهل ويتهرب من رؤية اسرائيل على هذا النحو. إن ما يطلق عليه البعض بالانتفاضة المعولمة – أي اتساع المشاركة المدنية العالمية في حملة مقاطعة إسرائيل وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيلية في المحاكم الدولية من شأنه أن يفتح الباب على آفاق أرحب أمام الفعل الإنساني ضد هذا النظام.

ولكن يبقى الدور الأساس لجماهير الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والديمقراطية.