إضراب الأسرى الفلسطينيين، رافعة كفاحية أم المشهد الأخير؟

03/10/2011
محمد أبو الروس - فيينا
"دخول الأسرى في معترك مواجهة داخل السجون مع غياب برنامج المواجهة السياسي في الخارج قد يعني أيضا إمكانية تحول معركة الإضراب من نقطة تحوّل نضالية إلى قشة أخيرة تتمسك بها قيادة فقدت منذ زمن المبادرة السياسية، فتعوض موضوعة الأسرى عن غياب البرنامج الكفاحي على الأرض ويتحول اللإضراب إلى فولكلور استشهادي"
Bild

ربما يشكل الإضراب عن الطعام الذي بدأه أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين علامة فارقة في هذه اللحظة التي وصل فيها النضال الفلسطيني واحدا من أدنى مستوياته منذ عام 1948 سواء من حيث البرنامج السياسي أو من حيث الممارسة على الأرض.
القرار الشجاع الذي بادر مناضلو الجبهة باتخاذه يعيد إلى واقع الصراع مفهوم الرفض والمواجهة وانتزاع الحقوق عبر وسائل الضغظ ، أي ربما يشكل ابتعادا أوليا عن ثقافة سد الذرائع السائدة والتي كبدت النضال الفلسطيني من الخسائر ما لم تنله منه المعارك، وشجعت العدو على التمادي معيدا إيانا إلى المربّع الأول، مربع الحقوق الدنيا.
من منظور تاريخ الحركة الأسيرة فنحن بالفعل في المربّع الأول، فالحقوق التي انتزعتها أعوام من النضال داخل السجون والمعتقلات الصهيونية قد عصف بها اتفاق أوسلو وما تلاه من مساومات وتجزئة للقضية الوطنية، فالعدو الذي قد ضرب عرضا بكل الاتفاقات الموقعة، ناهيك عن الأعراف والاتفاقيات الدولية، لن يحجم عن العودة إلى سياساته الأولى تجاه الأسرى الفلسطينيين أي العمل على تحويلهم إلى حيوانات في قفص.

المربّع الأول الذي وصل إليه الفلسطينيون في السجون يطابقه المربع الأول الذي عادوا إليه في السياسة، وربما لا تكون مصادفة أن تأتي خطوة الأسرى في نفس الأسبوع الذي وقعت فيه مهزلة الأمم المتحدة التي قطعت فيها خطبة أوباما قول كل خطيب في مشروع الدولة الفلسطينية في أراضي الـ 67، وأعلنت إفلاس مشروع السلام أي إفلاس من يمثله من القيادة الفلسطينية.
ولكي نبقى في خانة الواقع، فإن إضراب الأسرى اليوم يختلف عن مرحلة البدايات تحديدا من ناحية غياب الرديف السياسي والعسكري في الخارج، فهو يأتي في مرحلة يفتقر فيها النضال الفلسطيني إلى وسائل الضغط الجماهيري والعسكري وحتى الإعلامي، إضافى لكون أسرى الجبهة الشعبية وحيدين في قرار الإضراب المفتوح، وهذا قد يعني حاليا حياد الفصائل الأكبر في هذه المعركة، جزئيا في السجون من ناحية المشاركة، وكلّيا في الخارج، من حيث المساندة.

هذا يشدد من أهمية التحرك السريع في الخارج (أي خارج السجون) قبل أن يصعد العدو من خطواته العقابية وقبل تعرض حياة الرفاق المضربين للخطر، وهذا التحرك يجب أن يشمل عدة محاور:

أولا: محور سياسي

دخول الأسرى في معترك مواجهة داخل السجون مع غياب برنامج المواجهة السياسي في الخارج قد يعني أيضا إمكانية تحول معركة الإضراب من نقطة تحوّل نضالية إلى قشة أخيرة تتمسك بها قيادة فقدت منذ زمن المبادرة السياسية، فتعوض موضوعة الأسرى عن غياب البرنامج الكفاحي على الأرض ويتحول اللإضراب إلى فولكلور استشهادي، وأمامنا من الأمثلة مصير تنظبيم اليسار التركي DHKC الذي عجز عن التعامل مع الواقع السياسي برامجيا وعمليا فدخل في طوره الأخير معركة "صيام الموت" التي كلفت التنظيم العشرات من كوادره في السجون (وخارجها)، ليتحول الإضراب إلى قدّاس نضالي يختزل المعركة مع الدولة التركية، ولينتهي التنظيم شديد الجذرية إلى شيء يشابه منظمة حقوق الإنسان التي تطرق عبثا باب الاتحاد الأوروبي..
علينا إذا، فلسطينيا وعربيّا، ربط عملية التضامن مع الأسرى برفض المشروع التصفوي وبمطلب العودة إلى مشروع المقاومة.

محور إعلامي:

من المتوقع أن تتجاهل معظم أجهزة الإعلام إضراب الأسرى حتى ولو سقط ضحايا، وهذا ما تراهن عليه قيادة العدو التي ستتمادى في عزل ومعاقبة المضربين ليصل الأمر حد التغذية القسرية أو الاستشهاد، وهذا سيلعب دورا في الحط من معنويات الرفاق المضربين الذين سيتعرّضوا إلى حرب نفسية تهوّل من عزلتهم وتقلل اعتقادهم بفاعلية الإضراب كوسيلة ضغط لانتزاع حقوق، ومن هنا تأتي أهمية التحرك السريع لفضح ممارسات العدو وللضغط على منظمات خقوق الإنسان الدولية (وهي مزدوجة المعايير) لاتخاذ مواقف مما يجري، وحتى لو لم تنجح تظاهرات التضامن في الضغط على أي من الحكومات للتدخل الفعلي فإن صداها بحد ذاته يشكل رسالة مهمة لرفع معنويات المضربين ولتشجيع الآخرين على المشاركة، وإلى القيادة السياسية لتراجع برامجها الحالية.

محور تنظيمي:

هذا الإضراب إذ يأتي والمؤسسات الفلسطينية والتضامنية ليست في الحال الأمثل للتعامل مع الموقف وللتحرك الفعال للحد من التعتيم الإعلامي ولممارسة الضغوط على المؤسسات السياسية والحقوقية كي تتحرك كما تفعل إذا تعلق الأمر بمناطق أخرى من العالم، وربما ينبغي أن يكون ما يجري الآن حافزا للتحرك السريع لإدراك ما فات ولإعادة الحياة إلى المؤسسسات وأنوية العمل المنظم في كل مكان، خاصة إذا اتفقتا على ضرورة الربط بين مطالب الأسرى الإنسانية والمطالب الشعبية السياسية.

إضراب أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إما أن يكون الصدمة الكهربائية التي تعيد الحياة إلى التنظيم، أو أن يكون واحدة من آخر المحطات التي يمر بها تنظيم ثوري كفارس أثخنته الجراح يثب وثبته الأخيرة ليموت واقفا.