سوريا: لا مناهضة للإمبريالية بدون دعم الشعب

10/04/2011
الحقوق الديمقراطية تقوية للثورة العربية
المعسكر المناهض للامبريالية
تعتبر سوريا آخر ما تبقى من الأنظمة ذات التوجه أو العزم المناهضين للامبريالية، فهي تدعم حزب الله في لبنان وتمنح حركة المقاومة الفلسطينية فضاءا سياسياً- إذا اكتفينا بذكر أهم مظهرين. مع ذلك فإن تكريس سلطة بشار الأسد المطلقة والوراثية ليست في صالح قضية مناهضة الامبريالية أو المقاومة بأية حال، بل إن العكس هو الضروري، فالجماهير الشعبية بحاجة لهواء نقي تتنفسه، وبهذا فقط يمكن التعبئة للنضال التحرري ضد الاستعمار الجديد الغربي الشامل والمباشر في عموم الوطن العربي.

إن علينا كثوريين أن نفكر تفكيراً جامعاً، فإذا كنا عازفين عن التدخل، ولا نريد المخاطرة برأسمالنا السياسي، فإننا محكومون بالاندحار، إذ إن النظام الامبريالي في العالم العربي، وهو مركز عصبي في النظام العالمي، يتهاوى أمام أنظارنا تحت ضربات الجماهير. إذا فعلى الحركة الثورية، وتحديدا في هذا السياق، أن تحسم أمرها ببسالة وإقدام أشد من نخب الامبريالية، فلا يكفي الدفاع عن منجزات الماضي التي غدت بمرور الوقت هياكل خاوية، ونحن في ضياع إذا ربطنا مصيرنا بأي رمز على شاكلة الأسد، ناهيك عن القذافي، الذي بخلاف الأسد لا يدافع إلا عن نفسه.

لقد أطاح الشعب المصري بواحدة من أهم ديكتاتوريات الغرب على الإطلاق. ومع أن نظام مبارك لا يزال قائماً، فإنه قد تزعزع بقوة ولم يعد قادراً على تسيير الشؤون اليومية وكأن شيئاً لم يكن. إن الجماهير الشعبية لا تزال في بداية تحركها، وسنشهد في الفترة المقبلة سلسلة من المعارك سيتخذ البعض منها طابعاً طبقياً.
أن المعارك في الغالب متقلبة ومفتوحة في نتائجها، والأحداث الحالية في ليبيا يجب تقييمها باعتبارها انتكاسة، حيث قدمت قيادة الحركة هناك نفسها رهينة سياسية لدى الغرب، وطالبت بتدخل عسكري، ولا يسع المرء تخيل شرعنة أفضل للاستعمار الجديد من ذريعة الإنسانية والديموقراطية.

وبهذا فمن الممكن الافتراض بأن النموذج العام الذي يتخذه الغرب في مساندة طغاة المنطقة قد انتهى، فسادة العالم يحاولون كشأنهم دائماً الظهور كديموقراطيين. بيد أن أوباما، وعلى العكس من ساركوزي، يدرك أن ليس بوسعه المغالاة، فقد بين المثال العراقي حدود تصدير الديموقراطية والثمن الباهظ الذي قد تتكبده الإمبريالية.

وحتى في ليبيا ليس من المضمون أن تجني الإمبريالية ثمار تدخلها، فليس مضموناً بأي حال أن ما سيخلف القذافي سيكون أسهل قياداً، علاوة على أن ليبيا ليست غير جانب جزئي صغير من تحرك عربي عام قد يبعثر التصميم الامبريالي للمنطقة.
ويكفي أن نلقي نظرة على الغليان في الخليج، حيث تشكل الانتفاضة البحرينية رأس جبل الجليد وما تحته أعظم، وكذلك في اليمن تزداد الاحتجاجات ضخامة، وأيضا في عمان وحتى في رأس الأفعى المملكة السعودية بدأت الاحتجاجات تضطر. ولأن هؤلاء الطغاة المتوّجون جميعهم صنائع للامبريالية ، تبسط هذه حمايتها عليهم وتتغاضى عن القمع الدموي كما نشهد في البحرين، التي لا تشكل بالمناسبة قاعدة الأسطول الخامس فحسب، بل هي أيضا أهم المعاقل اليسارية في الخليج.
إن هذه الخلفية للحركة الشعبية العربية العامة هي التي ينبغي أن تدفع عنا الخوف من التعبئة في سوريا. فبالحريات الديموقراطية وتحرك الجماهير فقط يمكن مجابهة الامبريالية على المدى الطويل، وليس عن طريق مقاومة بيروقراطية استبدادية متخشّبة غالباً ما تستسلم بأسرع من المتوقع.
إن تحرر الشعب العربي من الاستعمار مفتاحه انتفاضات وحرب شعبية ليست النخب القديمة (وحتى تلك التي تمارس لعبة مناهضة الإمبريالية) كفؤا لها على الإطلاق، وبتعبير آخر: زمام المستقبل بيد حزب الله لا بيد الأسد.
ومن الواضح أن هذه المقابلة لا تبدو جلية اليوم، فالأسد يدعم حزب الله وعلينا الدفاع عن ذلك بحزم، وفي نفس الوقت علينا ألا نغمض أعيننا أمام هذه النقطة الإيجابية عن مدى ضآلة التأييد الشعبي الذي يحظى به النظام، ومدى ضحالة وطائفية تشكيله، فقد قام الأسد في الأعوام الأخيرة بسلسلة من التغييرات الاقتصادية ليبرالية الطابع مترافقة مع خصخصة وتقليص للدعم الحكومي للفقراء مما أدى إلى ازدياد حدة التناقضات الاجتماعية وتفشّي البطالة والفقر. إن الحقوق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية مطالب جماهيرية مشروعة بصورة مطلقة ولا يمكن تحقيقها دون الضغط الشعبي الذي تعبر عنه التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية حتى لو أفضى ذلك إلى العنف، كما يقترف الأسد خطأ لا يغتفر حين يعتقد أن بوسعه ممارسة لعبة القط والفأر حيث يوحي برفع حالة الطوارئ دون الإشارة إلى موعد محدد، فهل ينوي الرضوخ مثلاً حين ينحسر التحرك؟ إن الجماهير الشعبية بالنسبة لنظام البعث خطر أكبر من الإمبريالية.

بنظرة سريعة على التاريخ. نجد أن نظام الأسد لم يرتكب الخيانة المبدئية للقومية العربية كما فعل السادات بعد هزيمة حزيران عام سبعة وستين ووفاة عبد الناصر، لكن ما انسحب هنا من المسرح السياسي كان مناهضة للامبريالية أشد خواء وأكثر جعجعة وأقل طحناً تتشدق بها نخبة لا هي بالكفوءة ولا بالراغبة بتعبئة الجماهير والاستناد إليها. لقد برعت عائلة الأسد طوال عقود في عزف هذا اللحن لأنها لم تستعد مرتفعات الجولان (بخلاف سيناء التي استعادتها مصر بسيادة محدودة عقب صلح منفرد مع العدو كان على حساب سوريا والفلسطينيين)، وهكذا يقدم النظام عجزه كفضيلة يختال النظام أمام الجماهير العربية وصمودا في وجه إسرائيل.

كما يجب ألا ننسى كيف تدخلت سوريا في السبعينيات عسكرياً في الحرب الأهلية اللبنانية ضد اليسار والفلسطينيين، إذ لم يكن يخيفها أكثر من انتصارهما. ولن يغفر التاريخ أيضا الدعم السوري للعدوان الغربي على العراق عام 1991 الذي قايضت به دمشق سكوت الولايات المتحدة عن وجودها العسكري في لبنان.
لم يكن محض صدفة أن الأسد، وبعد مواجهة أول اندلاع للاحتجاجات بالعنف، قد حاز على دعم من الدول الامبريالية، فبينما شدد المحافظون الجدد المرتبطون مع إسرائيل من نداءاتهم لتغيير النظام، كرمت وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون الأسد بلقب "المصلح"، وكذلك هرع عبدالله ملك السعودية لنجدته رغم حقيقة كون الأسد حليفاً للعدو اللدود ايران. والسبب بسيط: هم كذلك يخشون من انتفاضة شعبية في واحد من البلدان العربية المركزية ، قد تصب الزيت على النار العربية ويصعب إخمادها وتسبب صداعا أشد وأطول مما يسببه نظام الأسد.

وكما في مصر فإن من المعتقد أن الأخوان المسلمون يشكلون أقوى قوى المعارضة في سوريا، ولهؤلاء حساب قديم مع النظام حول مجزرة حماه عام 1982، التي سفك فيها الأسد الأب دم عشرات الآلاف من المدنيين. فما الذي يمكن انتظاره من الأخوان المسلمين (علاوة على مشروعية الأمر) غير تقديم المسؤولين عن القتل الجماعي للحساب؟
إن من الجدير بالإشارة الدور الانتهازي الذي لعبه الأخوان المسلمون في مصر، حيث لم يساهموا في التحرك ضد مبارك إلا حين لم يعد من الممكن إيقافه. وما كاد الطاغية أن يسقط حتى حاولوا التسوية ثانية مع نظام العسكر الذي يتوقون إلى انتقال إدارته لهم. وبهذا المعنى دعموا الاستفتاء حول الدستور، الذي يريد العسكر بواسطته الحفاظ على أكثر ما يمكن الحفاظ عليه من النظام، مقابل الانتخابات التي يحتمل أن يخرج الأخوان المسلمون منها منتصرين.
مع ذلك فإن حكومة يشارك فيها الأخوان المسلمون ستكون في كل الأحوال مضطرة لمراعاة أكثر للتطلعات الديموقراطية للشعب وللوقوف على مسافة أبعد من الامبريالية، كما لا يستطيع الأخوان المسلمون الانقلاب على الجماهير والمجازفة بقواعدهم الشعبية الأصيلة، بل على العكس فإن عدوى الديموقراطية باتت تطال الغالبية العظمى من الطبقات الدنيا والوسيطة، وحتى تلك ذات الميول الإسلامية. ومع أن احتمال ثورة مضادة فعلية غير وارد الآن لأن الغرب لن يكون قادرا على دعمها علنياً من الغرب، فإن مركز الثورة المضادة يظل الجيش والمتسلقين من النخبة القديمة وليس الأخوان المسلمين.

يجب على اليسار المصري والحركة العالمية المناهضة للامبريالية أن يدفعوا الأخوان المسلمين قدماً على طريق الديموقراطية وبهذا يساعدون على تحجيم العناصر الإخوانية المحافظة التي سادت لزمن طويل. إن مساراً علمانيا بحتا على الطريقة الغربية سيعني الموت لليسار الذي لم يشتد عوده بعد، ويخلي الساحة السياسية في نفس الوقت للمحافظين. وبهذا فإن لليسار دوراً ضخماً يضطلع به، فهو الذي أطلق الحركة، وهو قادر على أن يظل عصبها، فهو وحده القادر على تطوير الصراع الطبقي الذي يرفضه الأخوان المسلمون ولكن يصعب عليهم كبحه.

وبالعودة إلى سوريا، فالشروط هناك غيرها في هذا الصدد، حيث يبدو أن بوسع الأسد التعويل على دعم قطاعات مهمة من العلويين والمسيحيين. وليس عبثاً أنه تمكن من تعبئة مئات الألوف، مما لم يكن لا حسني مبارك ولا بن علي ليحلم به (كان مبارك قد فقد منذ زمن بعيد ما كان يتمتع به من دعم الأقباط)، وكما يعتمد النظام السوري على الطائفية يلجأ الأخوان المسلمون إليها بشكل فجّ وعلني أيضا،. ومن ثم فإن خطر التحول الطائفي للنزاع وارد بلا شك وعلى القوى المناهضة للامبريالية العمل على منعه أو احتواؤه بكل الطرق الممكنة.
ورغم التعاون الوثيق طويل الأمد بين الأخوان المسلمين في سوريا وبين التكتل السني الموالي للغرب الذي تقوده السعودية، فإنهم غير قادرين على الالتفاف مباشرة على مطالب. الجماهير إن افتراض كون هؤلاء مماثلين لأقرانهم في البلدان العربية الأخرى ليس مجافياً للحقيقة.

وبأخذ هذه الخصوصيات السورية بنظر الاعتبار، فإن المطلب الفوري – وعلى الضد من طغاة الغرب في المنطقة- ليس إسقاط حكم الأسد، فالمطلب الأساس هو الحقوق الديموقراطية الكاملة والعدالة الاجتماعية، وإذا شاء الأسد البقاء، فلن يجديه الاستمرار في صم أذنيه.

المعسكر المناهض للامبريالية
4 نيسان/ ابريل 2011

Links