سلامة كيلة: نظام الأسد يقترب من الانهيار

سلسلة محاضرات "الربيع العربي" في المركز الثقافي العربي النمساوي (عكاظ)
13/08/2012
الحركة الشعبية سوف تتغلب على التدخل الأجنبي
زار الأستاذ سلامة كيلة فيينا تلبية لدعوة من المركز الثقافي العربي النمساوي (عكاظ) واتحاد السوريين في المهجر حيث قدم محاضرة بعنوان "عصيان المدني في دمشق"، وقد صادف الموعد تفجير دمشق الذي أودى بحياة أربعة من كبار ضباط الجهاز الأمني، حيث كان الوضع يوحي بأن المعركة النهائية تلوح في الأفق. وفيما يلي ملخص المحاضرة
Bild

والأستاذ كيلة كاتب سوري فلسطيني، وناشط سياسي ومثقف ماركسي يمثل ائتلاف اليسار السوري. وكان قد اعتقل مجدداً في الرابع والعشرين من نيسان عام 2012. أبعد أخيراً عن سوريا حيث قضى ثلاثة عقود من ضمنها ثماني سنين في السجن، وقد اتخذ نظام الأسد من أصله الفلسطيني ذريعة لشرعنة إبعاده. ولقد تماهت ميوله مع الثورة الشعبية التي انغمس فيها منذ بدايتها الأولى.
زار الأستاذ سلامة كيلة فيينا تلبية لدعوة من المركز الثقافي العربي النمساوي (عكاظ) واتحاد السوريين في المهجر حيث قدم محاضرة بعنوان "العصيان المدني في دمشق"، وقد صادف الموعد تفجير دمشق الذي أودى بحياة أربعة من كبار ضباط الجهاز الأمني، حيث كان الوضع يوحي بأن المعركة النهائية تلوح في الأفق. وفيما يلي ملخص المحاضرة

يعطي الأستاذ كيلة أهمية قصوى لقدرة الانتفاضة الشعبية على الانتصار دون تدخل أجنبي، وإمكانية أن يحدث التغيير من الداخل ضمن جهاز الدولة الذي ربما تبحث بعض الأطراف فيه عن تسوية مع بعض أطراف المعارضة. وإذا لم ينجح هذا فإن هناك خطر الإنحدار إلى الفوضى والحرب الأهلية طويلة الأجل كما يرى.
ويشدد كيلة على رفض الأغلبية للحرب الأهلية الطائفية، وهذا يشمل معظم المجموعات المسلحة وكذلك حتى أشد قطاعات السكان تديناَ، على أنه يحذر من تلك القوى المدعومة من دول الخليج، والتي تريد حرف وهزيمة الثورة الشعبية بتحويلها إلى حرب أهلية طائفية، وهذا ينطبق أيضاً على أطراف في المعارضة السياسية تنحو منحى خطاب طائفي، لذلك يدعو السوريين في الخارج إلى عدم الاقتصار في مساندتهم للثورة على المعونة الانسانية، بل تطوير خطاب سياسي لحملات تضامنية مع الثورة السورية من أجل حمايتها من التشويه والطائفية، ولكي لا يترك هذا المجال لقوى تتبع مخططات أجنبية.

النهاية تلوح في الأفق

تناول كيلة في تحليله فقدان النظام لقاعدته الاجتماعية تدريجياَ مع استمرار وتصاعد الثورة، حيث يمثل انخراط المركزين الحضريين دمشق وحلب في الانتفاضة أهم علامة على دخول المواجهة في المرحلة النهائية، فقد تمثلت استراتيجية النظام من ناحية في الانقضاض الدموي على الاحتجاجات السلمية، ومن الناحية الأخرى لجأ إلى التخويف من الأصولية الإسلامية وحرب أهلية طائفية تكون ضحيتها الأقليات على الخصوص. وقد نجح هذا نسبيا في المرحلة الأولى، حيث ظلت قطاعات مهمة من الشعب، ومن الأقليات على الخصوص، بمنأى عن الاحتجاجات المدنية، ولكن ينبغي هنا ملاحظة أن مكونات من المعارضة كانت جزءا من اللعبة، وقد خدمت الأسد في إنتاجها فعلا لخطاب طائفي سني.

غير أن الوضع تغير تدريجيا مع استمرار الانتفاضة ووضوح عجز النظام عن قمعها ، حيث يتزايد ابتعاد قطاعات واسعة عن النظام. فطبقة التجار، وهي إحدى القواعد الرئيسية للنظام أخذت تقلص دعمها له تدريجياً، كما أنه يلاقي صعوبات في تجنيد الشبيحة الذين لا تريد أسرهم فقدان ابنائها من أجل صراع يتبدى خاسراً أكثر فأكثر. على العكس، فقد ألجأت وحشية النظام المنتفضين إلى اللجوء للدفاع عن النفس بقوة السلاح ، فيما واصلت الاحتجاجات انتشارها الواسع في مناطق أكثر. ولقد سرعت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام هذه العملية، فقد دفع فقدان الموارد المالية الناتجة من تصدير النفط وعجز النظام عن تحصيل الضرائب- دفع بالنظام إلى طبع العملة، ما أدى إلى تفاقم التضخم المالي وتصاعد النقمة بين المواطنين بفعل غلاء الأسعار.
الكفاح المسلح امتداد للحركة الشعبية الديموقراطية
بيّن سلامة كيلة أن الانتقال إلى الكفاح المسلح تطور مشروع في مواجهة شراسة النظام، فبعد ستة شهور من الاحتجاجات السلمية توصل الناشطون إلى استنتاج أن الدفاع عن النفس بالسلاح هو الوحيد الكفيل بالصمود بوجه هجمات الجيش وميليشيات النظام. وقد سرّع زج الجيش في المواجهة من هذا التحول.

لقد جاء التفجير في لحظة تراكمت فيها عوامل ضعف النظام، فبصرف النظر عن المدبر الحقيقي، وسواء كان الأمر عملية ناجحة للثوار أم نتيجة تصفيات داخلية، فإنهما كليهما يكشفان عن أزمة ثقة وفقدان للتماسك في بنية السلطة، فقد باتت أجزاء مهمة من الجيش والشرطة والجهاز الإداري تشك في أية جدوى للحل العسكري، وصارت ترى إمكانية وضرورة التعاون مع الانتفاضة. ومن الناحية الأخرى فإن الحلقة الضيقة المحيطة بالأسد لم تعد تثق بتركيبة سلطتها وصارت تعتمد أكثر فأكثر على القوى الموالية لها حصرياً من داخل جهاز الدولة وخارجه.
بين الثورة والانقلاب
إن طريقة التغيير الأكبر احتمالاً والمرغوب بها أكثر كما يرى كيلة تتمثل بتغيير من داخل جهاز السلطة تقوم به مجموعة داخلية تنتزع السلطة وتتوصل لتسوية مع جزء من الحراك من أجل إنشاء نظام انتقالي، ويبدو أن روسيا التي لعبت إلى الآن دوراً مصيرياً في الحفاظ على الأسد تغير من موقفها في هذا الاتجاه، فهي تبحث عن قوى يمكنها أن تـقود الانتقال بما يضمن مصالحها. أما إذا لم يحدث تغيير داخلي كهذا، فإن النظام يمكن أن يقاتل حتى النهاية، وهذا قد يتسبب بفوضى وحرب أهلية إذا لم تكن المعارضة قادرة على فرض سيطرتها والحفاظ على وحدة البلد رغم تدخل المجاميع المنقادة لمخططات خارجية. وفي نهاية المطاف، فإن الشعب السوري بقواه الذاتية هو الوحيد القادر على دحر النظام والإمساك بالدولة.

التدخل الأجنبي

في الوقت ذاته يقر كيلة بوجود قوى مدعومة من العربية السعودية ودول الخليج الأخرى تسعى لإثارة حرب أهلية طائفية، غير أنه يرى في ذلك ظاهرة سياسية هامشية لا تعبر عن المطاليب الاجتماعية والسياسية للجماهير الشعبية، على أن تدخل قوى عالمية وإقليمية أخرى تمثل مخططات متنافرة ما فتئت تزيد من تعقيد الوضع.

لقد حاربت العربية السعودية الحراك الديموقراطي في المنطقة العربية منذ بدايته المبكرة، خشية أن يبلغ أرضها في نهاية المطاف، لذلك قدمت الدعم المالي لنظام الأسد في الأشهر الأولى للانتفاضة السورية، ثم أنحازت فيما بعد إلى القوى الأصولية ضمن المعارضة بغية إجهاض الثورة من الداخل. إن الخط السعودي يتمثل في تحويل الحراك الديموقراطي الشعبي إلى حرب أهلية طائفية. والسعوديون، ووراءهم الدول الإمبريالية يبتغون اقتتالاً طويل الأمد ينهك جميع الأطراف، كي يتمكنوا في النهاية من فرض شروطهم على المنتصرين، أياً كانوا.
الأغلبية اللا طائفية
يؤكد كيلة رفض أغلبية السكان الانجرار إلى حرب أهلية طائفية، والحقيقة أن العكس هو السائد، ففي حين اتخذت الأقليات موقفاً سلبياً في المرحلة الأولى خوفاً من الأصولية السنية، فإنها تشارك اليوم في الاحتجاجات المناوئة للنظام. وحتى ضمن العلويين، فإن تأييد الأسد أقل مما يذكر، ويرى كيلة من ضمن مهمات المعارضة إقناعهم ونزع الخوف عنهم عن طريق ضمانات سياسية جريئة بدلاً من تهديدهم كما تفعل بعض الفئات المعارضة.

كما يحذر كيلة من التبسيط على الطريقة الطائفية التي تربط المجاميع المذهبية بمواقف سياسية متجانسة، فعصابات الشبيحة سيئة الذكر على سبيل المثال لا تنتمي بمجموعها إلى العلويين حصرياً كما جرت العادة في تقارير الأخبار، فإذا كانت جذور الظاهرة تكمن في منطقة الساحل حيث نشطت تركيبة مافيوية في التهريب بحماية من عائلة الأسد- مخلوف الحاكمة، فإن الشبيحة في المناطق الأخرى لا ينتمون إلى طائفة بحد ذاتها (حلب مثلاً). هؤلاء الرعاع لم يتورعوا حتى عن إرهاب العلويين الذين هم بدورهم يكنون الكره لهم، وفي الآونة الأخيرة جرى تحويل الشبيحة إلى تركيبة شبه عسكرية.

اللبس ناتج عن تحليل قاصر للامبريالية وخصومها

من ضمن الانتفاضات العربية، كانت السورية أكثرها إثارة للجدل، حيث أن كثيراً من تلك القوى التي رحبت بالانفجارات الشعبية في تونس ومصر والبحرين وحتى ليبيا لم تقع على عبارات واضحة بخصوص سوريا، وسبب ذلك يكمن في الدعم الرسمي الذي يقدمه النظام للمقاومة الفلسطينية. والخلل يكمن في أن هذا التصور يظل ماضوياً عاجزاً عن إدراك التغير العميق الذي يجتازه المجتمع السوري. فقد بدأ التوجه نحو الليبرالية الرأسمالية في التسعينيات، ثم تسارعت العملية بعد توريث السلطة لبشار الأسد، ومنذ عام 2007 لم يعد الوضع الاجتماعي في سوريا يختلف كثيراً عن تلك الأقطار التي بدأت فيها التمردات الشعبية: سيطرة نخبة سلطوية مافيوية الطبع على القطاعات الحيوية للاقتصاد، مع نسبة هائلة من البطالة بحدود 30% وازدياد في الفقر الجماعي مدفوعا بالهوة المتسعة بين الأجور والأسعار. لقد اندمجت سوريا تماماً في النظام الرأسمالي العالمي، كما سرعت الاتفاقيات الاقتصادية مع تركيا من انهيار القطاعات المنتجة (الزراعة والصناعة)، وغالباً ما كان يجري تجاهل هذا الجانب الاجتماعي في التحليل الذي يتناول الميدان السياسي حصرياً.

الخطأ الثاني يكمن في رؤية الامبريالية من منظور جيو- سياسي ومعايير شكلية تقليدية، وهنا أيضاً لا تؤخذ الأزمة الاقتصادية الرأسمالية في الاعتبار، فقد تضاءلت في الواقع قابلية الرأسمالية على فرض هيمنة عالمية، وحتى في ليبيا حيث تدخل الناتو تدخلاً عسكرياً مباشراً، لم يتمكن الغرب من فرض شروطه، كما أنه ليس بوسع الإمبريالية تنظيم "مؤامرة" كالانتفاضة السورية؛ على العكس، فقد اتسمت سياستها بالاعتراف بفقدان الهيمنة، لذلك تعجز واشنطن عن الفعل المباشر في سوريا، وهي تتطلع نحو تفاهم مع روسيا بينما تخلي مجال التأثير المباشر لأوروبا وتركيا والسعودية.

غير أن التدخل التركي أيضاً غير مواتٍ، ففيما انقلبت أنقرة على الأسد، فهي عازفة عن تقديم الدعم الكامل للمجاميع المسلحة، ولا تريد نفوذا أمريكياً قوياً يقلم أظفارها في المنطقة، ثم أنها تخشى الفوضى التي قد تتأجج في أراضيها.
وحتى لو تمكنت الامبريالية من تأمين مصالحها خلال فترة انتقالية عن طريق إدراج بعض القوى الإسلامية، فإن هذه لن تكون قادرة على حل المشاكل المحركة للانتفاضات الشعبية.
إن القوى السياسية الجديدة المنبثقة عن الحركات الجماهيرية، والتي يبدو جلياً أنها ستواصل النضال في سوريا وفي الأقطار العربية الأخرى، هي معقد الآمال لدى الأستاذ سلامة كيلة.

فيلهلم لا نغتالر ومحمد أبو الروس
ترجمة قيس عبد الله