Site-Logo
Site Navigation

لماذا يجب ان نقاطع الانتخابات النيابية

20. November 2007

د. هشام بستاني

المصدر: وكالة سرايا للاخبار، بتاريخ 17/11/2007

http://www.sarayanews.com/more.asp?NewsID=594&catID=28

بعد أيام، وتحديدا في العشرين من الشهر الجاري، تجري الانتخابات النيابية في الاردن. وتكثر الآن التعليقات حول مدى نزاهة الانتخابات وانعدام التزوير، وتأثير ظاهرة “المال السياسي” فيها، وهي كلها مسائل هامشية امام قضايا أكثر اساسية تتعلق بوظيفة الانتخابات النيابية، وامام تساؤل أكثر بداهة يطرح ان كانت هذه “العملية” هي انتخابات تمثيلية وديمقراطية في اساسها ام غطاء لشيء آخر.

المشروع الحالي للسلطة السياسية في الاردن كما نراه بوضوح من خلال مبادراتها وبرامجها، هو تأسيس الهوية الكيانية القطرية الانعزالية وتثبيتها كبديل عن الهوية العربية، ويستدل على ذلك من خلال مشروع “الاردن أولا”ØŒ والتركيز الاعلامي على “الثقافة الاردنية” Ùˆ”التراث الاردني” Ùˆ”المثقف الاردني” كبديل للعروبة والكيانية القومية، سواء من قبل المؤسسة الرسمية، أو من قبل شركات رأسمالية تخصص اموالا طائلة للهيمنة على نخب ثقافية وتوظيفها في ذات المشروع. وهذه الهوية “الجديدة” هي على النقيض من معادلة التعارض المفتعل الكلاسيكية ما بين “الاردني” Ùˆ”الفلسطيني” أو موضوع “شتى الاصول والمنابت”ØŒ فهذه الهوية الكيانية الجديدة عليها ان تذوب التعارض الاكبر (اردني-فلسطيني) في اطار واسع للجميع هو الهوية القطرية الجامعة (كلنا الاردن)ØŒ ومن ثم يصار الى تفتيت داخلي على مستوى متناه للصغر على قاعدة المنطقة والجهة والعشيرة والعائلات داخل العشيرة الواحدة، والامثلة الدالة على ترويج السلطة السياسية لهذا التفتيت الافقي مغرقة في الوضوح وعلى رأسها يأتي قانون “الصوت الواحد” الذي يطبق في كل مكان في الاردن، من الانتخابات الطلابية الى الانتخابات البرلمانية، والمسؤول عن التدهور الاجتماعي في الاردن من مجتمع كان متوجها نحو التمدن، الى آخر ارتكس بقوة نحو تنظيمات اجتماعية بدائية، وما المعارك الطلابية التي تشتعل في الجامعات على ارضيات مناطقية وعشائرية الا مؤشرا اوليا عن الاتجاه العام لحركة الاجتماع في الاردن.

ولمن لا يعرف أثر الصوت الواحد في مجتمع مثل الاردن تشكل فيه العلاقات العائلية والعشائرية اساسا هاما، نشرح التالي: في العام 1989 واثر هبة نيسان الشعبية التي قامت في وجه ارتفاع الاسعار وانهيار قيمة الدينار الناتجة عن “اصلاحات” صندوق النقد الدولي والفساد المستشري في الدولة، قامت السلطة السياسية حينها بـ”اعادة الحياة الديمقراطية” والدعوة الى انتخابات برلمانية على اساس دوائر انتخابية واسعة يمثلها عدد من النواب. فمثلا: الدائرة الثالثة في العاصمة عمان يمثلها خمسة نواب – فيذهب الناخب ويصوت لخمسة مرشحين هم ممثلوه المفترضون في البرلمان. ضمن هذا الشكل، يعطي المواطن صوتا واحدا في الغالب لقريبه او ابن عائلته وعشيرته، ويتبقى له أربعة اصوات يعطيها على اساس الافضلية السياسية، هكذا: يخسر المرشح العشائري في حين ينجح المرشح السياسي، لأن المرشح العشائري سيحصل فقط على اصوات ابناء عشيرته، والناخبون ليسوا كلهم ابناء عشيرة واحدة، فتتشتت الاصوات العشائرية (وثقلها في مثالنا 1 من خمسة)ØŒ في حين سيحقق المرشح السياسي اجماع الناخبين لأنه يمثل توجها عاما (وثقله في المثال 4 من خمسة). اضافة الى ذلك، تمكن هذه الطريقة المرشحين السياسيين من عقد التحالفات وتشكيل كتل انتخابية قادرة على الوصول الى البرلمان والحصول على تأثير معقول، وهذا ما حصل في برلمان 89 الذي لم يتكرر بعد ذلك ابدا.

فاعتبارا من انتخابات 1993ØŒ ادخلت السلطة السياسية قانون انتخابات مؤقت يعطي للناخب الواحد صوتا واحدا فقط. وبالعودة الى مثالنا السابق، اصبح لناخب الدائرة الثالثة التي يمثلها خمسة نواب في البرلمان، صوت واحد فقط يعطيه لمرشح واحد فقط، اي فقد اربعة اخماس صوته وتبقى له فقط خمس صوت ينتج عنه خمس تمثيل. الاهم من ذلك، ان “الصوت الواحد” اصبح يذهب للمرشح العشائري او العائلي دون وجود أصوات اخرى لدى المواطن لاعطائها على اساس الافضلية السياسية.

هكذا، وبجرة قانون واحد، اعادت السلطة السياسية المجتمع المحلي في الاردن مئات السنين الى الوراء، الى تشكلات اجتماعية ما قبل رأسمالية تعتمد العصبية العائلية والجهوية والعشائرية والاقليمية كأساس لوجودها، ومن ثم استنسخت هذا القانون في كل مكان، حتى في الجامعات (مصانع الاجيال القادمة)، فأصبحت المعارك العشائرية والمناطقية سمة مميزة لطلاب الجامعات في الاردن اعتبارا من ذلك التاريخ.

بجرة قانون واحد، استطاعت السلطة السياسية انتاج برلمان غير مسيس، لا علاقة له لا بالرقابة ولا بالتشريع؛ برلمان “اناني” الطابع، لا مكان فيه للبرامج الكبرى والتحالفات البينية، يبحث عن المصالح والمنافع الصغيرة، مستجديا الحكومة صاحبة القرار، ومستعدا لتقديم التنازلات وتغيير المواقف مقابل اعطيات من شاكلة توظيف احد المحاسيب او فتح طريق او اعطاء رخصة خط باص.

عودة الى موضوعنا الرئيسي الذي يثير تساؤلا هاما: لماذا تجهد السلطة السياسية في اعادة انتاج الانقسامات الاجتماعية من تعارض كبير (اردني-فلسطيني) الى تعارضات صغيرة (جهوية وعشائرية) ما دام كلا الاول والثاني يخدمانها في تثبيتها كعامل امتصاص مجمع عليه؟

الاجابة هي أن الانقسامات الكبيرة قد تؤدي الى صدامات كبيرة تضعف السلطة وقد تؤدي الى او توظف باتجاه انتاج “مشاريع” كبيرة، امام الانقسامات الصغيرة داخل شكل الهوية القطرية، فهو اولا قابل للاحتواء والتوظيف بسهولة من قبل السلطة السياسية دون ان يشكل الانقسام الصغير خطر التحول الى مشروع كبير، اضافة الى ان هذا الشكل يستوعب التسويات الاقليمية الكبرى في حال نشأت ظروف موضوعية تنجزها (تصفية القضية الفلسطينية، تصفية ملف اللاجئين).

من هنا لا يمكن النظر الى الانتخابات النيابية في الاردن خارج التوظيفات السياسية لهذه الانتخابات، والتي لا يمكن الخروج منها الا بتسويات داخل مشروع السلطة السياسية لا خارجه، فمحددات اللعبة واضحة: قانون الصوت الواحد (التفتيت)، قانون الاحزاب (اعاقة تطور العمل السياسي)، قانون الاجتماعات العامة (تقييد التحرك الشعبي)، اضافة الى مؤسسة أمنية قوية تثير الرعب في قلوب المواطنين. واذا وضعنا فوق كل ذلك نموذج الانتخابات البلدية الأخيرة (وهي التمرين الاولي لكلا السلطة السياسية والمعارضة للانتخابات النيابية القادمة)، والنماذج السابقة للانتخابات النيابية، التي تؤشر بشكل واضح على عدم التزام السلطة السياسية الحياد حتى ضمن قوانين للعبة تضمن بقاء مشروعها دون ادنى تهديد، يصبح الحديث عن مشاركة حقيقية في الانتخابات هو حديث متوهم، فهو:

1- يعطي شرعية سياسية لمشروع السلطة التفتيتي.

2- يعطي شرعية سياسية لمشروع السلطة غير الديمقراطي.

3- يضع اللاعبين السياسيين (من حيث هم اضعف بكثير) في مواقع تتمكن من خلالها السلطة السياسية من توظيفهم لا العكس.

4- يحيد الشارع المنفصل اصلا عن قوى المعارضة (باستثناء الاسلاميين الذين لديهم “شارع”) ويسمح بتوظيفه في شارع السلطة السياسية الذي بدأت بانشاءه بشكل متسارع وكبير منذ تفجيرات الفنادق ومن خلال مبادرات شباب ومرأة لا حصر لها.

ولا استثني الحركة الاسلامية من احتمالية التوظيف بحكم انهم الاقوى (وربما الوحيدون) كتنظيم سياسي، فالهجوم الكاسح الذي شنته السلطة السياسية عليهم بصفتهم بديلا مطروحا وربما مقبولا دوليا ألب عليهم قطاعات اجتماعية واسعة دون ان يتمكنوا من الرد بنفس القوة والتأثير، كما ان هذا الهجوم أثر عليهم داخليا من خلال خلق اصطفافات مشابهة للاصطفافات التي نجحت السلطة السياسية خلقها داخل لجنة تنسيق احزاب المعارضة: تيار راديكالي اقرب الى الشارع والموضوعية، وتيار “معتدل” اقرب الى السلطة وبرنامجها. وهو ما تجلى بصفقة بين الاسلاميين والحكومة ادت الى شطب جميع الاسماء غير المرغوب بها وبشكل تعسفي من قائمة مرشحي جبهة العمل الاسلامي، رغم شعبيتهم الكاسحة في قواعد الاسلاميين، وهو ما ادى الى استنكاف عدد كبير من قيادات الاسلاميين من العمل الانتخابي وتحفظهم على تصرفات قيادتهم، وبروز تيار قاعدي عند الاسلاميين يدعو لمقاطعة هذه الانتخابات.

وعلى الرغم من ان الاسلاميين هم الاقرب الى الشكل السياسي المدني في التنظيم بالمقارنة مع بقية المشهد الحزبي في الاردن، الا انهم، او بعضهم على الاقل، ينجرون الى لعبة التفتيت اياها بشكل مباشر او غير مباشر، فأحد مرشحي الحركة الاسلامية في الانتخابات البلدية الاخيرة في عمان (حيث التأثير الاقل للنزعات العشائرية والعائلية) لم يجد غضاضة في ان يعلن في بروشوراته الانتخابية انه “من عائلة مقدسية ذات علاقات قوية مع عائلات شرق اردنية وسورية”!!!!

كان الحل الموضوعي الوحيد امام القوى السياسية للخروج من دائرة التوظيف، هو الاعلان بكل جرأة عن ابعاد هذه اللعبة “الانتخابية”ØŒ ومحدداتها، وآلياتها اللاديمقراطية المعروفة، ومقاطعة الانتخابات من خلال معركة للمقاطعة تخاض على كل المستويات السياسية والاجتماعية، وتبدأ من الاطراف الى المركز لا العكس، وتشكيل تجمع وطني لهذا الغرض من القوى السياسية والشخصيات التي تنسجم وهذا الطرح، رغم ما سيشكله ذلك من استقطاب سياسي بين قوى المعارضة نفسها.

لكن القوى السياسية لا يبدو انها تستوعب دروس الماضي وتحليلات الحاضر والمستقبل، او انها تستوعبها وتستمر بالرضى الآني حول ادائها الذي ضمن لها عزلة كاملة عن الناس وشهادة مؤكدة منهم بعدم الثقة، بعد ان تحول دورها (أي الاحزاب) من النضال من أجل البرنامج السياسي، الى النضال من اجل الوجود السياسي. وباستمرار هذه اللعبة، فان الخاسر الاكبر سيكون المواطن، يليه في ذلك القوى السياسية والاحزاب دو استثناء.

ان الخيار الوحيد امام عملية انتخابية مجيرة بالكامل لصالح السلطة السياسية، ولا وجود فيها لقوى سياسية قادرة على الاصلاح (ناهيك عن التغيير)ØŒ هو افقاد هذه العملية شرعيتها “الشعبية” المفترضة، بعدم الذهاب للصناديق يوم الثلاثاء 20/11 القادم، والتمتع بعطلة جميلة في احضان بيت دافئ، ولا بأس بنزهة الى البحر الميت ان كان هناك مكان للناس العاديين بين اكوام فنادق الخمسة نجوم، ولندع “الاموات” وحدهم يصوتون!

hbustani2@yahoo.com

Topic
Archive