Site-Logo
Site Navigation

عالم ما بعد أمريكي؟

13. January 2009
الوضع العالمي لدى صعود باراك أوباما

ورقة صادرة عن المعسكر المناهض للإمبريالية بتاريخ 4 كانون الثاني (يناير) 2009

من الواضح ان الأزمة البنيوية التي تعيشها الرأسمالية الأمريكية ستكون لها تبعات طويلة الأمد على كامل منظومة العلاقات الدولية. رغم ذلك لن يكون بمقدور الرئيس المنتخب باراك أوباما أن يعير اهتماما أقل للسياسة الدولية، فقد برزت في الأعوام الأخيرة من القرن المنصرم دولا مرشحة لأن تلعب دورا إمبرياليا منافسا على مستوى عالمي أو إقليمي، ورغم بقاء الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى عالميا أي الأولى على كافة الأصعدة العسكرية والصناعية والزراعية والثقافية والتقنية والعلمية، فإن أمريكا سيكون عليها أن تبذل ما بوسعها للحفاظ على هذا التفوق وبأي ثمن، وأن تعمل على توزيع أعباءالأزمة الاقتصادية على باقي دول العالم. وعليه فإننا ندخل حقبة تاريخية يسودها اضطراب قد يؤدي إلى فترة من الحروب الطويلة والموسعة والمفتوحة ومتعددة الأبعاد.

1.إن هذه الأزمة البنيوية، ومركزها الولايات المتحدة الأمريكية، لن تدفع البيت الأبيض الأمريكي باتجاه سياسة “عدم تدخّل” على المسرح العالمي، بل على العكس فإنها ستقود إلى نهج إمبريالي ذات طابع دولي “ويلسوني” براغماتي، لكن سيكون استمرارية لسياسة الرئيس السابق جورج بوش.

2.لا يعني ذلك أن هذه الدولية الإمبريالية سيكون لها نفس الطابع الأحادي الذي كان لها بعيد عام 2001ØŒ فاستراتيجية المحافظين الجدد (محور تشيني – رامزفيلد – بوش) قد قدمت نتائج متواضعة بالقياس إلى المجهودات العسكرية والدبلوماسية والمالية التي تطلبتها، فهذه التكلفة القياسية ( التي تم تقديمها كحرب مستميتة ضد الإرهاب لإخفاء اهدافها الفعلية وهي الحفاظ بالقوة على التفوق الأمريكي) كانت أحد أسباب هذه الأزمة، علاوة على اتضاح معالمها ككارثة. فبالفعل فإن اضمحلال النصر المخادع في العراق قد قدم دفعة جديدة لحركات المقاومة ضد الإمبريالية في العالم ككل، وعمق معارضة الدول الكبرى، حيث خلق نزاعا جديا مع روسيا بوتين وأيضا شرخا في العلاقات مع الحلفاء التقليديين، وليس فقط الأوروبيين.

3.بناء على ما تقدم، فإنه سيترتب على البيت الأبيض أن يعيد صياغة سياسته الإمبريالية من أجل الحفاظ على التفوق الأمريكي المتخلخل حاليا، ومن أجل ذلك سيوافق بين الاستراتيجية أحادية القطب وبين التكتيكات متعدد الأطراف، وسيلجأ إلى التدخلات العسكرية أحادية الجانب في حالات الضرورة القصوى فقط ØŒ وبعد استتنفاذ وسائل الضغط الدبلوماسي التي ليست سوى قناع لقوة الردع العسكرية العظمى. هذا يعني تقوية حلف الناتو، ويتطلب إشراك أكثر للاتحاد الأوروبي في التعامل مع النزاعات الدولية. ثالثا ستقوم بإشعال وخوض حروب عبر طرف ثالث عبر اللجوء إلى قوات أجنبية وصراعات محلية. وأخيرا فإنها ستلجأ إلى دعم مباشر لانتفاضات داخلية باسم الديمقراطية، من أجل إدخال دول جديدة في مدارها الجيوسياسي (نموذج “الثورات الملونة”).

4 .إن النظرية القائلة بأن العالم قد دخل الحقبة ما وراء الأمريكية لا تستند إلى أية حقائق. إنها فقط بوادر خجولة (إذا كان من الممكن افتراض ذلك بدون مغادرة الإنسانية الطور الرأسمالي)ØŒ بينما يرى التوجه المعاكس أن مقاومة الإمبريالية الأمريكية يجب أن تُؤخذ مأخذ الجد. وبالفعل فإن الأوليغاركية الإمبريالية الأمريكية لم تختار بارك أوباما لكي يتعايش مع عالم متعدد الأقطاب، بل لكي يخنقه في المهد. هذا هو السبب وراء كون العالم (بعيدا كل البعد عن ولوج فترة سلام) يغامر بدخول حلقة من الحروب الموسعة وطويلة الأمد ومتعددة الأبعاد، يطبعها تداخل لم يعرف بعد بين صراع الـ “شمال-جنوب” صراعات الـ “شرق-غرب” والـ” شمال-شمال” (بداية عبر طرف ثالث).

5.لن يتقبل البيت الأبيض تراتب متعدد المراكز بين القوى، ولن يتبع استراتيجية “حكومة عالمية” أو أي توازن قائم على التكافؤ مع القوى الأخرى، وإذا اضطر لشيء من هذا القبيل فسيكون نظاما متعددالأطراف تدور حول قطب التفوق الأمريكي، في حين تتصرف القوى الأخرى كعوامل مساعدة (على نمط قاعدة روزفيلت “الشرطيين الأربعة”)ØŒ في منظومات صغيرة دنيا من الشرطة الإقليميين. هذا يقودنا بالتالي إلى أن هذه النزاعات ستتعمق إذاعارضت قوى أخرى (روسيا كمثال أهم) هذه التراتبية، وهذه النزاعات لا يمكن تعريفها إلا كنزاعات إمبريالية.

6.في هذا السيناريو، فإن الاتحاد الأوروبي العالق بين المطرقة والسندان سيواجه توترا جيواستراتيجيا عنيفا، ومن المؤكد أن البيت الأبيض وتماهيا مع سلوكه منذ الحرب العالمية الثانية، لن يسمح بأية فرصة لأوروبا بأن تتوجه إلى أفق يوروأسيوي وأن تخلخل روابطها بالولايات المتحدة الأمريكية وتصبح سيدة ذاتها. إن باراك أوباما سيحارب أي طرح يوروأسيوي يقرّب أوروبا من روسيا، حتى لو أذى ذلك إلى تمزيق أوروبا إرباً عبر إشعال النزاعات الإقليمية من أجل عزل وإضعاف روسيا، وعبرتوظيف حلف الناتو لإبقاء أوروبا خاضعة.

7.إذا أرادت الولايات المتحدة البقاء كالقوة الإمبريالية العظمى الأوحد، فلن يكون بمقدور باراك أوباما أن يخفف من الضغط على الشرق الأوسط، وبالفعل فإن الرئيس المنتخب قد شدد على دعمه غير المشروط لدولة إسرائيل وأكد على أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن إرادتها سحق حركات المقاومة العربيةأن يخفف مأمأسيسيس يؤل، وعلى رأسهنّ حزب الله وحماس اللتان تم وصفهما بالإرهاب على طريقة جورج بوش. لقد أكد أوباما، تعليقا على اتفاقية “صوفا” مع حكومة الدمى في العراق المحتلّّ على أن القواعد الاستراتيجية الأمريكية في العراق ستبقى، وعلى نفس الأساس الذي استخدم عقب الحرب العالمية الثانية مع الدول المهزومة، وأخيرا فقد أكد على رفضه أي حل مع إيران طالما لم تتخل الأخيرة عن برنامجها النووي وتوقف دعم حزب الله وحماس.

8.بالتالي فإن وعد أوباما بتركيز الضغط العسكري على أفغانستان لا يجب إساءة فهمه على أن الولايات المتحدة ستتخفف من قبضتها على الشرق الأوسط، بل إن البنتاغون والإدارة الأمريكية لا يمكنهما التفكير بإنهاء المقاومة الأفغانية والسيطرة على البلاد إلى الأبد بدون السيطرة المستمرة على الشرق الأوسط.

9.إن أفغانستان في المنظور الجيواستراتيجي الأمريكي بؤرة رمزية للخطة الإمبريالية، ولهذا فإن التركيز على هذه البلاد ما هو إلا نبوءة بصراعات جديدة وأشد عمقا، وبالفعل فإن أفغانستان هي المكان الذي سيتقرر فيه في الأمد القريب مستقبل العالم كعالم متعدد الأقطاب او عالم ذو قطب أمريكي واحد.

10.إذا انتصرت الولايات المتحدة في أفغانستان فإنها ستحقق ستة أهداف أستراتيجية:

1-الهدف الفوري، وهو مهم من ناحية رمزية، وهو أن تثبت للعالم بعد المحصّلة المجهولة في العراق، أنهم قد نجحوا بسحق أقوى مقاومة قد واجهوها منذ حرب فييتنام، وبأنهم قد أوقفوا الموجة الإسلامية.
2-هذا ستترتب عليه نتائج جدية لجمهورية إيران الإسلامية التي ستجد نفسها مصدومة ومحاصرة تماما.
3-الانتصار على المقاومة الأفغانية سيساعد الولايات المتحدة على تطبيع الوضع في باكستان عبر تحجيم القوة العسكرية الباكستانية بنحو استراتيجي، ولصالح الفيل الهندي الأليف.
4-وسط آسيا بموارد الطاقة فيه سيصبح تحت السيطرة الأمريكية.
5-هذا سيضرب المحور الاستراتيجي الروسي الصيني في نقطة حساسة وسيحجّم لمدة طويلة طموحات روسيا بوتين، في حين سيصبح الهدف الاستراتيجي لخطة بريجنسكي الرامية إلى إدخال الصين الشعبية في المدار الأمريكي هدفا واقعيا.
6-سيتم جرّ أوروبا وبشكل نهائي إلى الحرب الأفغانية عبر مهمة
ISAF لحلف الناتو، وبالتالي فإن التصعيد العسكري الحالي في أفغانستان سيقيّد أوروبا في دور المساند.

11.في هذا الإطار، فإنه لا تراجع في مبرر أو ضرورة وجود المعسكر المناهض للإمبريالية، بل على العكس فإنه يزداد أهمية. إن حيادنا حيال صراع محتمل بين دول الشمال أو دول الغرب الإمبريالية لا يعني اللامبالاة، فهزيمة الإمبريالية الأمريكية المهيمنة يبقى الهدف الأساسي لأية مقاومة مناهضة للإمبريالية، ومن صالح المقاومة أن يكون هناك حالة اضطراب بين عدة أقطاب عوضا عن استبداد القطب الواحد، ولذلك فإنه سيكون لدينا عدة فرص في النضال السياسي، تتركز أساسا في المحاور الثلاثة التالية: دعم المقاومة المناهضة للإمبريالية وعلى رأسها المقاومة الأفغانية، وثانيا النضال ضد حلف الناتو، وكلا المحورين يقودان إلى المحور الثالث، وهو المناهضة غير المشروطة وغير المنقوصة للإمبريالية الأمريكية التي مازالت تشكل عماد الاقتصاد الرأسمالي العالمي.

12.إن بوصلتنا ستبقى تشير في نفس الاتجاه، وهوبناء جبهة عالمية ضد الإمبريالية. إننا لا نخفي، كما لم نخف في الماضي، عن أنفسنا الصعوبات التي تقف في طريق مثل هذا المشروع. إن هذه الجبهة ليست تحصيل حاصل، كما أننا لم نتوهم يوما أن مثل هذه الجبهة حاضرة فعلا في رحم التاريخ، فتشكّل نوع من الوحدة في النضال عالميا يتطلب توافر وتضافر عدة شروط ذاتية وموضوعية. الشروط الموضوعية مرتبطة بمسار الأحداث غير المتكهّن، في حين تعتمد الشروط الذاتية على إمكانية اللقاء بين الجزء الأكبر من قوى المقاومة الإسلامية وبين قوى ثورية وشيوعية مختلفة. وبالمقابل، فإن إمكانية مثل هذا التآخي ستعتمد على قابلية كل من الطرفين للتحرر من مفهومين: أسطورة “الأمّة” كأفق التحرر الأوحد من ناحية، وأسطورة دور الحضارة الغربية القيادي، التي تذهب حتى عبادة الـ”تقدم”ØŒ حتى لو كان رأسماليا.

بناء على ذلك، فإن دورنا ليس محصورا فقط في بناء تضامن ضد الإمبريالية ودعم المقاومة أينما وجدت، فالعمل على خلق هذا الرابط المذكور في النقطة أعلاه لا يقل أهمية، كما أنه مهمة ضخمة لا تتطلب فقط النشاط السياسي، بل أيضا جهودا كبرى على الصعيد النظري والثقافي.

المعسكر المناهض للإمبريالية
4 كانون الثاني (يناير) 2009

Topic
Archive