إن مواقف النظام المصري تجاه المقاومة الفلسطينية، وممارسات أجهزته الأمنية العدوانية ضد المقاومين الفلسطينيين، وتحديداً جهاز “أمن الدولة”، لا يأتي في سياق حماية الأمن القومي المصري، كما يزعمون، وإنما يأتي في سياق التعاون الأمني المصري–الصهيوني–الأمريكي ضد المقاومة الفلسطينية، وتشترك في هذا التعاون أنظمة عربية أخرى، في إطار ما تصفه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون بالحرب على الإرهاب. فالادعاء بأن المقاومين الفلسطينيين من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس يهددون الأمن القومي المصري هو ادعاء باطل، ومزاعم داحضة، ومحاولة مكشوفة للتغطية على الأسباب الحقيقية التي تجعل الأجهزة الأمنية المصرية تقدم على هذه الممارسات الوحشية وغير القانونية ضد المقاومين الفلسطينيين، الذين ألقت أجهزة الأمن المصرية على معظمهم أثناء عودتهم بطريقة قانونية ومشروعة إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، دون أن يتورط أحد منهم في أية أعمال مخلة بالأمن والقانون المصري أو ما يصفه الأمريكيون بالإرهاب الدولي.
إنها الأسباب ذاتها التي من أجلها يحاصر النظام المصري قطاع غزة ويخنقه بالجدار الفولاذي، وهي الأسباب ذاتها التي من أجلها يضغط النظام المصري على حماس لتوقيع مصالحة تفضي في نهاية المطاف إلى إخضاع حركة حماس وحكومتها لإملاءات اللجنة الرباعية الدولية، ومن أجلها ساوم حركة حماس أثناء الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة؛ نيابة عن الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين وعن الصهاينة، ويضغط عليها لكي تستسلم كما استسلمت اليابان للأمريكيين في الحرب العالمية الثانية؛ على حد تعبير بعض المسؤولين المصريين الذين ساوموا حماس وضغطوا عليها للموافقة على شروط العدو الصهيوني لوقف الحرب الصهيونية على غزة، مبررين تلك الدعوة للاستسلام بأن حماس ليست أقوى من اليابان حتى لا تستسلم.
إذاً هذه الممارسات غير الإنسانية ضد المقاومين الفلسطينيين لا علاقة لها بالأمن القومي المصري، اللهم إلا إذا كان الرضوخ للابتزاز الأمريكي والصهيوني فيه مصلحة قومية لمصر وللأمة العربية، أو كانت الأموال المسيسة التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر وسماحها للنظام الحاكم بالاستمرار في السلطة أو التوريث، يبرر خدمة الأمريكيين والصهاينة على حساب مصر وفلسطين والأمة العربية والإسلامية!
ولا علاقة لتلك الممارسات بالانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي يسوغ به النظام المصري وأنظمة عربية أخرى التخاذل والتواطؤ المعهود على الأنظمة الرسمية العربية التي تصفها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون والكيان الصهيوني بمحور الاعتدال العربي أو المعتدلين العرب. فمن بين المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب الوحشي في السجون المصرية، عشرات من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي، التي تقف على الحياد بالنسبة للصراع الداخلي الفلسطيني، وتدعو باستمرار إلى إنهاء الانقسام ولم الشمل الفلسطيني على نهج الجهاد والمقاومة.
وليس غريباً أن يدور جوهر التحقيق مع المقاومين في الزنازين المصرية؛ كما يفيد شهود عيان مصريون وفلسطينيون، حول مصادر تمويل المقاومة وتسليحها، وشبكات التمويل والتسليح، وطرق الإمدادات، والمواقع العسكرية للمقاومة الإسلامية في غزة، ومكان اعتقال الجندي الصهيوني “جلعاد شاليط”، إذ تأتي كل هذه الممارسات في إطار محاصرة المقاومة الفلسطينية، مالياً وعسكرياً ولوجستياً، وفق خطة الإدارة الأمريكية السابقة، والإدارة الأمريكية الراهنة، لمنع المقاومة الفلسطينية من امتلاك أسلحة متطورة قادرة على استنزاف جيش العدو الصهيوني، إضافة إلى حماية حدود الكيان الصهيوني، والضغط على حركة حماس من أجل الموافقة على الصيغة الأمريكية للمصالحة.
إن من حقنا الدفاع عن المقاومين المعتقلين في السجون المصرية، الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب وأكثرها وحشية على الإطلاق في العالم. ومن حقنا أيضاً الوقوف مع المقاومين المعتقلين وقفة إنسانية والمطالبة بإطلاق سراحهم فوراً وتركهم يعودون إلى أهلهم في غزة. ومن حقنا أيضاً الوقوف ضد كل محاولات إجبار الشعب الفلسطيني على التخلي عن حقه في مقاومة العدو الصهيوني المغتصب للأرض والمنتهك للمقدسات والحقوق. ولا يعنينا إطلاقاً التدخل في الشأن الداخلي المصري أو الصراع مع النظام الحاكم، ولا مطلب لنا سوى رفع الظلم عن أبنائنا وشعبنا. والتاريخ لا يستحي ولا يستحيي ولا يرحم!
23/5/2010
—
ا.د. محمد إسحاق الريفي
الجامعة الإسلامية بغزة
غزة، فلسطين