Site-Logo
Site Navigation

إصلاح الدولة وليس فقط “الاصلاح الدستوري”

20. February 2011
المبادرة الوطنية الأردنية

هل الإصلاح الدستوري يشكل الحل للأزمة الممتدة والمتعمقة، التي تعاني منها البلاد، وهل تشكل المدخل لإحداث التطور والتقدم المنشود للدولة والمجتمع؟


هل قدمت “ثورات الألوان” في دول المعسكر الاشتراكي سابقاً، غير الجوع والفقر ومسخ الكرامة الوطنية والأنسانية لشعوبها، بالرغم من تبنيها التشريعات والقوانين والأنظمة والمواصفات الأوروبية؟ ألم تصل دول أوروبية ذات قوانين وأنظمة دستورية متطورة وعريقة، وتستند إلى تبادل السلطة السلمي الديموقراطي، إلى حافة الإنهيار؟ فتنامت معدلات البطالة والفقر، وتدهورت الطبقة الوسطى، وحملّت الطبقات الكادحة والمنتجة وزر أزمة من إنتاج شرائح طفيلية، استولت على القرارات الدولية والوطنية، وعلى كافة الصعد.
ألم تدخل قائدة دول مراكز رأسالمال العالمي، الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسوّق تشريعياتها بخصوص الحريات العامة النموذج، والأكثر تملكاً لمراكز ابحاث في العالم، والأكثر تطوراً في تقنيات وسائل الاتصال الحديثة، ألم تدخل في أزمة خانقة، أطبقت على كافة الطبقات الكادحة والمنتجة، وما زالت تداعياتها تتعمق لتصل إلى الانهيار الشامل، التي هي مسألة وقت لا غير، كما وطالت تداعيات هذه الأزمة كافة الدول التابعة، بينما نجت من تداعياتها، بمستويات متفاوته، الدول المستقلة عن وصاية وهيمنة وانتداب أدوات مراكز رأسالمال، صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.
المشكلة ليست في التشريعات على أهميتها، بل هي تكمن في البنية الاقتصادية – الاجتماعية ونمط الانتاج السائد، الذي على أرضيته تتحدد التشريعات والقوانين والأنظمة، وليس العكس.
فعلى الصعيد الأردني، تكمن المشكلة الحقيقية في بنية ووظيفة الدولة والمجتمع المستهلك التابع، الذي يحجز أي إمكانية لبناء الدولة الوطنية المنتجة الحديثة، التي هي قاعدة حقيقية لإنجاز التقدم والتطور والتحديث. فإصلاح الدولة بكافة مؤسساتها هي المهمة الأساس، وفي هذا السياق يأتي “الاصلاح الدستوري” كمهمة يجب أن تطرح على جدول أعمال الحراك الشعبي في البلاد. فإذا تم التوافق على إن هذه المهمة، هي المهمة الحقيقية، يصبح الحوار منتجاً لتوافق على مشروع تحرري نهضوي، والإتفاق حول آليات إنجاز هذا المشروع. ومن ثم يصبح الاتفاق على شرطية إنفاذ هذا المشروع، تكمن في شرطية كسر التبعية وتغيير النهج.
من يحمل مشروع التحرر الوطني النهضوي الوحدوي؟ وما هي القواعد الارتكازية لهذا المشروع؟ من يحمل من؟ مشروع “الاصلاح السياسي” أم مشروع “كسر التبعية”؟ هل إجراء تعديلات على تشريعات وقوانين وانظمة خاصة بالحريات العامة، كفيلة بفتح مدخل حقيقي لحمل مشروع نهضوي تحرري؟

إن الحراك الاجتماعي الذي أخذ طابع “المبادرات الشعبية” في تونس ومصر، ويجتاح تحديداً الدول العربية التابعة، هو تعبير حقيقي عن نضوج أزمة تستدعي الحل. وشروط وصيغ الحل هي مدار اجتهاد، ومدار اختلاف، ولكن بشكل عام يمكن التمييز بين نهجين لمقاربة الحل:

نهج يعتبر أن “الاصلاحات الدستورية” هي المهمة الملحة المطروحة على جدول أعمال هذا الحراك، ويبدو أن الاعلام الرسمي محموم في حصر هذا الحراك في هذا الإطار، ويبدو أنه يحقق نجاحات في هذا التوجيه، ليس فقط على صعيد الاحزاب الاصلاحية التقلدية، وليس فقط على صعيد النقابات وحسب، بل يتعدى ذلك إلى قوى من المفترض أنها بديلة، وهنا مكمن الخطر الذي يجب التنبيه إليه.
نهج يصرّ على إن الانتقال بالدولة المستهلكة الوظيفية التابعة القائمة، إلى دولة منتجة مستقلة وحديثة، هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة الممتدة والمتعمقة، التي تعيشها البلاد، والتي هي علة وسبب الحراك الذي يجري على أرض الواقع.
الأشكالية في طرح هذا النهج الواقعي العلمي، نهج “كسر التبعية” تكمن في التوقيت، حيث يأتي في ظل حالة من النشوة تعيشها نخب مقموعة، كانت إلى فترة قريبة جداً تعاني من اليأس والاحباط والأكتئاب، وحالة من الكفر بالشعب وطاقاته الكامنة وقدراته اللامحدودة، فطرح هذا المشروع “كسر التبعية” الذي لم تتبلور صورته المكتملة بعد، ولم يسبق أن طرح كمشروع بل كشعار، ولم يخضع لحوار جدي بعد، بين صفوف الشرائح الاجتماعية المعنية في بلورته وبلورة آليات إنفاذه، وفي المقابل فأن طرح نهج “الاصلاحات الدستورية” الذي يبدو إمكانية تحقيقه واردة، وبالسرعة التي تلبي رغبة هذه المجموعات، حيث مؤشرات كثيرة تدعم هذا الاجتهاد، فالاصلاح الدستوري، يبدو أنه يقع في دائرة توافق بين “المركز العالمي المقرّر” ومجموعة التبعية الحاكمة. علماً بأن “الاصلاحات الدستورية” تصبح موجبه في مجرى التطور الطبيعي، وأنعكاساً لتطورات حقيقية تحصل في البني الاقتصادية ونمط الانتاج، وليس العكس، وإنفاذها في هذا الوقت بالذات وخارج السياق، لا تقدم ولا تؤخر، وبالرغم من أنها تتوائم مع أمنيات مجموعات متعجلة اقتناص فرص، وقطف ثمار غير ناضجة، تماماً كما حدث مع قيادة منظمة التحرير عندما حاولت قطف ثمار الانتفاضة الأولى قبل أن تنضج، فجاءت النتائج معاكسة تماماً لرغبة هذه القيادة، وكذلك الحال مع وهم بناء “سلطة فلسطينية” على أرض لم تتحرر من الإحتلال، والانتخابات النيابية في ظل الاحتلال، حيث قادت كل هذه الأوهام إلى تشظيها، فأمنيات هذه المجموعات المتعجلة على قطف نتائج، قبل أن تفعل فعلاً منتجاً في مجرى الحراك، لن تقطف سوى الأوهام.

كذلك الحال مع مطلب “الاصلاحات الدستورية” قبل كسر التبعية، فهي لا تمثل سوى أحلام وردية لدى مجموعات واهمه، تماماً كتلك الأوهام التي سكنت القيادة الفلسطينية في مرحلة الانتفاضة الأولى والثانية، فتمنى هذه “الإصلاحات الدستورية” بالفشل، كونها لن تؤدي إلى أي نتائج عملية، ولأنها بالضرورة إصلاحات لذاتها وخارج السياق، فهي إجراءات وظيفية وقائية تخدم إجهاض وتفادي تداعيات الحراك الجذرية، تلك التداعيات، التي أخذت بوادرها بالتبلور والظهور: حراكات عمالية مطلبية في كافة المواقع، وطرح مهمة تحرير اتحاد العمال من قيادة مفروضة عليه من الخارج برسم التنفيذ، ليعود الاتحاد لإخذ دوره الطبيعي في حماية حقوق العمال، والمساهمة في صياغة وإنفاذ خطط التنمية الوطنية الحقيقية، وتحرك المعلمين لإعادة إحياء النقابة والدفاع عن حقوق منتسبيها، وللمساهمة في صياغة المناهج التي تخدم خطط التنمية ومتطلباتها، وتحرك المتقاعدين العسكريين المطلبية والوطنية، والنضج المتمثل في طرح الورقة الاقتصادية، التي تشخص جوهر الأزمة وآليات للخروج منها، وتحرك العشائر بخصوص حقوقهم في “الواجهات العشائرية” وإعادة الاعتبار للأراضي العطيل كأداة انتاج تخدم القطاعات الانتاجية الأخرى وتدعمها، علماً بأن أكثر من 90% من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، بمستويات متفاوته ولإنماط مختلفة، إجماع شعبي على استرجاع الشركات والمؤسسات التي تم بيعها بأبخس الأثمان لصالح “مجموعة التبعية الحاكمة” وإجماع شعبي على تحرير الثروات واستثمارها في خطط تنموية وطنية حقيقية، وأجماع شعبي على محاسبة ومحاكمة الفاسدين والمفسدين واسترجاع جميع الأموال والثروات والأراضي المختلسة من قبلهم، لذلك بالضرورة فإن الإصلاحات الدستورية خارج هذا السياق لا تخدم إلاّ تنفيس حالة الاحتقان، الذي تعيشه كافة شرائح المجتمع الوطنية المنتجة والكادحة، وتعمل على إجهاض نتائجه.

هل “المبادرات الشعبية” على الصعيد العربي؟ التي انطلقت في تونس مروراً في مصر، والتي لن تنتهي قبل أن تطال كافة الدول العربية التابعة، ستأخذ السياقات ذاتها، أم أن هناك سياقات خاصة، لها علاقة بخصوصيات المجتمعات. فما هي خصوصيات المجتمع الأردني؟ وكيف يمكن فهم تداعياتها على أساليب ووسائل الحراك الشعبي؟.

المجتمع الأردني ليس مجتمعأ متجانساً، بل مجتمع “الماقبل رأسمالي” جهوي شللي فئوي طائفي أثني اقليمي مناطقي عشائري، وبالرغم من أن القاعدة المادية للعشائرية لم تعد قائمة فعلاً، فلا العشائرية البدوية القائمة على الرعي والغزو بقيت على حالها، كما لم تعد الزراعة ولا مشاعية الأرض نمط انتاج سائد عند الفلاحين، قاعدة العشائرية الفلاحية. فبينما كان حوالي 80% من المجتمع الأردني فلاحي بدوي، يعيش في البوادي والأرياف، قبل ستينات القرن الماضي، فاليوم فأن حوالي 80% من السكان يعيشون في المدن، ولكن بالرغم من ذلك، فما زالت ثقافة وسلوك العشيرة قائمة، وثقافة وسلوك الاقليمية ما زالت قائمة، كما أن ثقافة وسلوك الشللية والجهوية ما زالت قائمة …الخ، وذلك نتيجة طبيعية لبنية مجتمع مستهلك غير منتج.

موقع الأردن الإستراتيجي، الذي جعل منه ركيزة في مشروع التقسيم والهيمنة على العالم العربي، في سياق الواقع الجيوسياسي الاقليمي والعالمي، منذ تأسيس الإمارة لحد اليوم، وما يترتب على ذلك من مهام ووظائف وتبعات وتداعيات على الدولة والمجتمع الأردني. فهل ستسمح دول المركز صاحبة القرار، السماح للأردن بالأنفكاك من قيد التبعية بسهولة بمجرد إحداث “اصلاحات دستورية” بدون نضال حقيقي إبداعي وإبتكاري، للشرائح الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في إنهاء التبعية. لن يتم إنجاز هذه المهمة، في ظل غياب مشروع تحرري نهضوي وحدوي، ولن يتم إنجاز هذه المهمة، في ظل عدم تقدير سليم للشروط وللضريبة التي يجب دفعها، من قبل شرائح الحراك والنخب.

فرض المركز الرأسمالي، على “مجموعة التبعية الحاكمة” في البلاد، إعتماد المساعدات الخارجية لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وبالرغم من الثروات الطبيعية الهائلة المختزنة تحت سطح الأرض الأردنية، والمقدرات الضخمة المتوفرة، إلاّ أنه لم يسمح للمجتمع الأردني للسير في طريق التنمية الحقيقية، من خلال صياغة خطط تنموية متمحورة حول الذات.
طبيعة النظام الذي تم تأسيسه بداية القرن العشرين، نظام وظيفي تابع، لا يمكن أن تتعارض بنية النظام مع وظيفته، ولا يمكن السماح ببناء دولة وطنية منتجة حديثة مستقلة في ظل إستمرار نهج التبعية، فهل يمكن السماح بممارسة حرية وديموقراطية تقود إلى إنهاء الدور الوظيفي التابع لهذه الدولة؟ بالطبع لا. لقد انتهت الظروف التي حكمت نشؤ هذه الدولة الوظيفة، أليس ما حكم نشوء الدول العربية المجتزءة، هي مصالح دول الرأسمال التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى بإعتبار المنطقة العربية منطقة مغانم حرب، ومنطقة ثروات طبيعية هائلة، وموقع جيوسياسي هام تستوجب الهيمنة عليها، ألا يدل هذا الحراك الاجتماعي و “المبادرة الشعبية” على نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة.

هل حدثت تطورات جوهرية، وليست مظهرية، على بنية النظام: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، منذ التأسيس، الجواب كلا، حيث بقي المجتمع مستهلكاً والدولة تابعة، تعتمد على المساعدات الخارجية، وتنصاع لكافة الإملاءات الأجنبية. لماذا ما زالت المهمات المطروحة على جدول أعمال الحركة الوطنية الأردنية، منذ المؤتمر الوطني الأردني عام 1928 لحد اليوم، هي هي، ألا يستدعي ذلك التساؤل؟ فهل المهمات المطروحة على جدول الأعمال غير قابلة للتحقق؟ أم أن القوى التي تقف خلف هذه المهمات عاجزة، وما زالت عاجزة لحد هذا اليوم،أم أن المقاربة لهذه المهمة الوطنية كانت وما زالت خاطئة، فتجربة الحكومة الوطنية عام (1956) وتجربة ما بعد هبة نيسان، والميثاق الوطني خير دليل على هذا، علماً بأنها حقوق طبيعية قابلة للتحقيق، لا بل تم إحقاقها في مناطق أخرى عاشت الظروف ذاتها.

إصلاح الدولة وكافة مؤسساتها لتتوائم مع مهمات ومتطلبات التنمية الوطنية المنتجة الحقيقية، ورفع يد الطفيليين، من سماسرة ووسطاء وتجار جشعين، عن حلقات التبادل بين المنتج والمستهلك، وحصر تأمين مستلزمات الانتاج بيد الدولة والجمعيات التعاونية، حيث يحجز فعل السمسرة عملية الانتاج، من خلال أمتصاصهم القيمة المضافة المتحققة فيه. لهذا تحديداً في سياق إصلاح الدولة ومؤسساتها يأتي “الاصلاح الدستوري” للخروج من الأزمة الممتدة والمتعمقة، التي يعشها المجتمع والدولة.الإنتقال بالدولة والمجتمع إلى دولة منتجة حديثة، وإلى مجتمع منتج حديث، الطريق للخروج من الأزمة الممتدة والمتعمقة التي تعيشها البلاد، والكفيل بدمج المجموعات المختلفة في هوية وطنية عروبية موحدة، تضمن حقوق المواطنة للجميع وبدون تمييز، وتوزيع عادل للثروات المنتجة من عرق الكادحين والمنتجين.إعادة الاعتبار إلى الأرض أداة للأنتاج، وفي المقدمة منها، تفعيل دور الأراضي الأمرية المعطلة عن الانتاج، ووضعها تحت تصرف جمعيات تعاونية، تقوم بدورها في تعزيز الانتاج الزراعي وتنمية الثروة الحيوانية، والتي تشكل الجزء الأكبر من أراضي الوطن، وإعادة الواجهات العشائرية إلى مستحقيها، لتدخل أيضاً في دورة الانتاج الزراعي والرعوي. كسر التبعية عبر مشروع نهضوي تحرري وحدوي، واضح المعالم وآليات إنفاذ، وتحرير الإرادة الوطنية، وتحرير الثروات الطبيعية والمقدرات الهائلة، لإستثمارها في التنمية الوطنية الحقيقية، التي تشمل كافة المناطق وكافة المجتمعات المحلية.تفادي الوقوع في مطب “اصلاحات دستورية” خارج سياق إنجاز مهمات التحرر الوطني، لأنها ستقود حتماً إلى خلق أوهام مشابهة لإوهام وقعت بها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بخصوص مشروع سلطة تتحول إلى دولة وطنية تحت الاحتلال. وقف الإستمرار في ترديد مطالب غير منتجه، من نمط اسقاط الحكومة وحل البرلمان، باعتبارهما مخرجاً للأزمة، لأنها مزاعم ثبت بطلانها على أرض الواقع، خارج سياق تغيير النهج.

“كلكم للوطن والوطن لكم”

Topic
Archive