كل تهمتهم أنهم خرجوا من أجل صَوْن مكتسبات الثورة التي أطاحت بالديكتاتور والإطاحة بنظامه السياسي الذي يحاول العودة إلى صدارة المشهد موحياً وكأن معركة الشعب إنما كانت مع رجُل فرد وبطانة صغيرة وليست مع نظام سياسيّ، ففرار الديكتاتور لا يكفي كي تخرج البلاد من عهده المظلم، فهاهم الذين أخرجتهم الثورة من الباب يعملون حثيثا للعودة من النوافذ محاولين ركوب موجتها لإعادة اغتصاب سلطة استعادها الشعب بدمائه من العصابات والمافيات التي سرقتها منذ ربع قرن!!
والمتظاهرون الذين عادوا إلى الشارع هذه الأيام خوفا على مسار ثورتهم أمام طوفان ما يقال همسا وعلنا وقابلته الحكومة بخطاب خشبي يكشف تواصل نهج العهد الذي أطاحت به الثورة، لم يقارعوا الدولة وإنما قارعوا النظام الحاكم. وأظهروا وعيا بالفارق بين السلطة أو النظام السياسي وبين الدولة. فما توجهوا إلى مؤسسة الجيش، وإنما تصرفوا معها باحترام شديد، وتصرفوا معها بما يحفظ للجيش معناه وموقعه الصحيحين كونه مؤتمن على صون وسيادة الدولة وأمنها الخارجي، مصرين على اعتبار مؤسسة الجيش ليست جهازاً في يد السلطة الحاكمة إلا في الحالة التي يتعرض فيها الوطن وكيان الدولة إلى تهديد أو خطر خارجي يمس الأمن القومي والسيادة والاستقلال، ولا يتدخل لحماية استقرار نظام سياسي أجرم في حق شعبه فثار في وجهه وأجبره على الفرار…
إن مناضلي حركة شباب الكرامة لطالما اعتبروا في سابق بياناتهم أن حكومة السبسي ليست “الحكومة الثورية” التي ترتضيها الثورة وتجد فيها صورتها السياسية والقيادية، فهي مجرد حكومة أمر واقع فرضها الفراغ القيادي الذي تعاني منه الثورة، وهو أمر لا يبرر اعتبارها ثورة لقيطة حتى يتطاول عليها أزلام النظام المخلوع‼ لذلك هي مدعوة إلى القيام بإجراءات سياسية واقتصادية ترمم بها واجهة شرعيتها المشروخة، لتجيب على بعض – غير قليل – من المطالب العامة لتحسين صورتها وسيرتها لدى الجمهور. وأن تضع حدا للتلكؤ في المهمات المطلوبة في هذه المرحلة من عمر الثورة: استعادة الأملاك والأموال العامة المسروقة من الشعب باسم الطاغية وزوجته وأصهاره وأقاربه، والتحقيق في ملفات الفساد، ومحاكمة المسؤولين عن القمع طيلة العهد الديكتاتوري. وعليها أن تعي أن هيبة الدولة من هيبة المجتمع، وأنه ليس في وسع “الأمن” أن يحفظ أمنا، إنه قد ينشر الرعب لكنه لا يحفظ هيبة ‼ كما يحملون مقاولي السياسة مسؤولية الانحراف في المهمات المطروحة في هذه اللحظة من عمر الثورة، ويعتبرون الطنين المزعج الذي يحدثه جلاوزة اللائكية اليعقوبية المتطرفة يعادل في انحرافه ما ينفذ من عمليات مدبرة للسلب والنهب والاعتداء على أمن المواطنين، وحرق المؤسسات العمومية بهدف الإساءة إلى صورة الثورة الديمقراطية وتمريغها في الوحل ‼ ويعتبرون أن ما تفعله هذه الأطراف المختلفة المتفقة يشكل منزلقا خطيرا في تجربة الثورة ويكلّفها الكثير من صورتها لدفع المواطنين إلى المطالبة بالأمن «بأي ثمن»؟ حتى ولو كان هذا الثمن وقف فعل الثورة عند الحدود المتواضعة التي بلغها في أيامه الأولى؟
كما أن مناضلي حركة شباب الكرامة يؤكدون أن المهمة الأكثر إلحاحا في هذه اللحظة المفصلية من عمر الثورة هي بناء قطب سياسي بين الأطراف المعنية بصياغة مضامين عقد اجتماعي جديد بين الدولة ومواطنيها قوامه الشرعية الديمقراطية في الحكم والقطاع العام قائدا للعملية التنموية لوضع حد للغبن التنموي في حق الجهات والطبقات المفقرة، ومراجعة المنوال التحديثي الذي يصر على تشويه كيمياء الشخصية الوطنية. يبنون معا رؤية وطنية وهندسة سياسية للمستقبل على قاعدة التوافق وعدم ترك تونس تستقبل غدها الديمقراطي دون رؤية شاملة للمستقبل يتوافق فيها التونسيون على المبادئ قبل القواعد والآليات، وأن لا يقع ترحيل هذه المهمة الحيوية إلى آماد لاحقة تحت عنوان حاكمية صناديق الاقتراع واقتران أي خيارات سياسية بنوع النتائج التي ستسفر عنها‼
أليست الديمقراطية قبل أن تكون آليات عمل نظيفة، هي في المقام الأول رؤية مجتمعية للسلطة والمجال السياسي وللعلاقات المتبادلة بين الدولة والمجتمع، وأن الديمقراطية لا تنجح في مجتمع لمجرد أنها تؤمّن انتخابات حرة ونزيهة وتداولاً للسلطة إن لم تقم على مشروع مجتمعي متعاقد عليه، هو الذي يجري عليه التنافس والتدافع السلمي والتداول على مسؤولية تحقيقه عبر سلطة الدولة؟؟
حركة شباب الكرامة – تحت التأسيس 2011تونس في: 7ماي