حركات الاحتجاج السلمية ليست جديدة على سورية
ستهل مناع محاضرته بعرض لتاريخ حركات الاحتجاج السلمي في سورية ضد الانتداب وضد الدكتاتوريات في أعوام الاستقلال الأولى ووصولا إلى فترة حكم البعث، مبينا أن الحراك المدني السلمي ليس بجديد على سورية، مذكرا بأول كتاب عربي عن حقوق الإنسان حمله رئيف خوري من بيروت إلى دمشق عام 1933، وبمجموعات مناهضة الفاشية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وتتابع التشكيلات النقابية لتشمل كل الفئات المهنية والمنظمات المدنية بما فيها منظات الدفاع عن حقوق المرأة والجماعات المستضعفة وصولا إلى تشكيل أول رابطة عربية لحقوق الإنسان في 1962، وأوضح منّاع كيف عملت حكومات البعث منذ توليه السلطة في 8 آذار 1963 على محاصرة العمل الجمعياتي وهدم الحركة النقابية وتفريغ مؤسساتها من محتواها عبر إلحاقها بأجهزة الدولة.
كما عرج مناع على إضراب اليوم الواحد في 31 آذار/مارس 1980 كآخر حركة احتجاج مدنية واسعة شملت البلاد في ظل حافظ الأسد قبل أن يؤدي الانقسام بين قوى النضال المدني (الرابطة السورية لحقوق الإنسان والتجمع الوطني الديمقراطي) وبين طليعة الإخوان المسلمين المقاتلة إلى إنتهاء الحركة السلمية عقب اندلاع العنف المسلح في حماة وانتقال المبادرة إلى يد النظام الذي استغل حماة من أجل سحق كامل الحركة المدنية الديمقراطية في البلاد، قاضيا بذلك على جيل كامل من القياديين والناشطين السياسيين.
لم يكن لدى نظام حافظ الأسد في “عصر الرعب” الذي تلى مجزرة حماة برنامج سياسي غير البقاء في سدة الحكم، تاركا السوريين لتدبير في مواجهة أزمة اقتصادية طاحنة عمت البلاد، أما في أواخر عهد الأسد الأب فكان برنامج النظام السياسي الوحيد هو توريث الحكم.
وصولا إلى الربيع العربي، بين مناع أن مصطلح “الربيع” قد سمعناه لأول مرة قادما من سورية فيما عرف بربيع دمشق، أي حركة الاحتجاج الأولى بعد اليأس من حدوث الإصلاحات التي وعد بها بشار الأسد لدى توليه السلطة، بعد اعتقالات ربيع دمشق استمرت الحركة الحقوقية المدنية بأنوية ضمت كل ألوان الطيف السياسي بما فيها بعض الإسلاميين وتكللت بإعلان دمشق عام 2005.
ونوه إلى إجماع المعارضة المدنية في سورية التاريخي على الربط التام بين قضيتي الوطنية والمواطنة، فلا تنازل عن تحرير الأرض المحتلة، ولا تراجع عن مطلب الحرية كشرط للقدرة على التحرير، أي أن ما يسمى الممانعة هوأيضا إجماع داخل المعارضة على التمسك بالقضايا الوطنية والقضية الفلسطينية.
رياح التغيير والثورة السورية
الحالة الثورية التي خلقتها انتفاضتي تونس ومصر خلقت وضعا بشريا جديدا يرى إمكانية التغيير، وقد تلقف شباب درعا هذا الوضع وتحركوا ذاتيا، ويشدد مناع على ذاتية الحراك وعلى كون المعارضي في الخارج يسمعون من الحراك ولا يقودوه، واصفا الكلام عن ترتيبات ومؤامرات بالكلام الفارغ حيث أن الصغار هم من ابتدأوا بكسر حواجز اليأس والخوف، وعلى القاسم المطلبي المشترك وهو التخلص من الفساد والاستبداد، وعلى سلمية الاحتجاج مذكرا بأول مظاهرة نسائية طافت درعا عقب دخول الجيش حاملة شعار “سلمية ولو قتلوا ميّة” لا خوفا أو جبنا، بل وعيا بأن العنف هو الوسيلة الأمثل للسلطة لقمع الناس.
يعتبر مناع الثورة السورية هي الأولى من نوعها في التاريخ من ناحية سلمية الحراك ومن كونها انتقلت من المحيط الريفي إلى المدن، فهذه أول مرة في تاريخ البشرية تحمل ثورة ريفية طابعا سلميا مدنيا، وبين في مداخلته ان الثورة من بداياتها كانت سورية الطابع ولم تكن ثورة تحت الطلب.
حتى التبرعات لم يقبلوها في البداية من غير السوريين حيث قامت الجاليات السورية في الخارج بتوفير اكثر من 300 آلة تصوير وبمعدات طبية وأموال كانت كلها سورية المصدر تشديدا على العلاقات المدنية وفكرة المشاركة، أما السلاح فهو موجود في كل بيت تقريبا وكان هناك في الأشهر الأولى إجماع على رفض استخدامه، ومن هذا المنطلق حافظت الثورة على تفوقها الأخلاقي على النظام.
الثورة على النظام القديم تكون في التغيير الجذري في كل من:
1. البنية، اي مؤسسات النظام
2. الوظيفة، أي طبيعة النظام ومن يخدم
3. العناصر، أي استبدال ومحاسبة المسؤولين عن جرائم النظام
العنف وتشويه صورة الثورة
فيما بعد تغيرت الصورة وظهرت منظمات هي ليست داخل البلد وشهود عيان مزعومون يتكلمون من بيروت والرمثا، وعملت وسائل الإعلام على تهميش قيادات وصناعة أخرى، فعلى سبيل المثال قدمت حركة 18 آذار خمسين شهيدا دون ان نسمع عنها في العربية أو الجزيرة، وهكذا تختلط الصور تبعا لوسائل الاتصال المستخدمة التي تقدم صورة افتراضية مشوهة، وهنا يمكن البدء بالحديث عن مؤامرة، وهي مؤامرة على الثورة.
يرفض مناع تحول الثورة السورية إلى حرب، فالحرب لا تعرف الأخلاق، ومنطقها يغاير منطق الثورة من حيث الكسب بأية وسيلة ومهما كان الثمن، ويتساءل كيف من الممكن التخلص من أخلاق الدكتاتورية ومسلكها الفاسد دون وضع خط واضح بين الحرب والثورة بقيمها الجديدة واعتبارها قوة جذابة لا قوة منفرة.
ومن هذا المنطلق عبر عن رفضه للتسلح من كونه بالتأكيد فوق طاقات الشعب السوري الذاتية بمعنى أن أية مواجهة عسكرية ستحتاج إلى تدخل عسكري خارجي أي حرب من المشكوك فيه أن توصل إلى أهداف الثورة.
أما دخول الجيش التركي للأراضي السورية فشبهه بدخول الجيش السوري إلى لبنان، حيث لا رأي عام داخليا يجبر الجيش على الانسحاب فيما بعد، أي أن هذا يعني فقدان سورية مزيدا من أراضيها وجزءا من سيادتها، وتساءل مناع كيف تقبل المعارضة وهي ترمي السلطة بالتخلي عن السيادة السورية بأن تتخلى هي بدورها عن السيادة؟
كما يرفض مناع العنف لأنه كفيل بإعادة الآلاف من السوريين إلى بيوتهم وكذلك إلى سلبية وحياد قسم كبير من المجتمع، خاصة لكون العنف غير ممركز وغير منظم، وأشار مناع إلى وجود ما يزيد على 600 مجموعة مسلحة مستقلة في سورية.
وأشار إلى الفارق بين الدفاع المشروع عن النفس ورفض العسكر الاشتراك في قمع المتظاهرين وحمايتهم لهم، وبين تصعيد العنف المسلح الذي يرمي إلى تحويل الثورة إلى مواجهة عسكرية، وفي هذا السياق أشار إلى ضرورة التمييز بين الجيش السوري ككل وبين أجزاء محددة من الجيش موالية للأسد.
في مسـألة وحدة المعارضة السورية
أكد هيثم مناع أن الأطراف السورية بحد ذاتها قادرة على الوصول إلى صيغة تفاهم، إلا أن ما يحول دون الوحدة هو التدخلات المستمرة من القوى الكبرى ودول الجوار التي تفرض شروطها على بعض القوى السياسية، مذكرا بأن قوى المعارضة قد ذهبت سويا إلى مؤتمر الدوحة قبل تشكيل “المجلس” في إسطنبول، وكذلك بحوار القاهرة الذي أسفر عن اتفاق تراجعت عنه قوى المجلس، مشيرا إلى ان أي عضو في الهيئة لم ينسحب من هذه الاتفاقات.
وشدد على إصرار الهيئة على التعامل مع كافة الأطراف الدولية على أساس السيادة، وأكد أن الهيئة في كل لقاءاتها الدولية لم تطلب اعترافا من أحد وتتعامل بمنتهى الشفافية في تحركاتها السياسية رافضة أيه لقاءات سرية وترتيبات غير معلنة.
و أشار إلى الدعوة التي تلقاها يوم 5 أيار (مايو) من نبيل العربي إلى الهيئة للمشاركة في حوار للمعارضة السورية يعقد في السادس عشر من نفس الشهر في القاهرة، وشكك في جدية مثل هذه الدعوات قصيرة الأمد لمؤتمرات تفتقر بالضرورة للإعداد الكافي فيكون مصيرها الطبيعي هو الفشل ثم التراشق بالاتهامات، ودعى إلى تأجيل هذا المؤتمر إلى موعد يكون بالإمكان قبله التحضير الجيد والمتوازن.
اللاءات الثلاث لحماية الثورة السورية
من هذا المنطلق أطلقت هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي لاءاتها الثلاث
• ضد العنف
• ضد الطائفية
• ضد التدخل الأجنبي
من أجل الحفاظ على الوحدة السورية وعلى تماسك المجتمع السوري والثورة، ورفض التدخل الأجنبي أو وهم التدخل الأجنبي حيث لا تعرف حالة تدخل أجنبي غير نفطية إلا في كوسوفو، وهي في أوروبا، أما في الشرق الأوسط فلا تبالي الدول الكبرى بوجود مناطق نزاعات طويلة الأمد.
خطة عنان كفرصة أخيرة لحل سياسي قبل الانزلاق إلى الحرب الأهلية
كبديل عن ذلك عبر مناع عن موقف الهيئة الإيجابي من مبادرة كوفي عنان، فهي من ناحية أقل الحلول سوءا، ومن ناحية أخرى لا توجد بدائل لها، وندد بمحاولات بعض الأطراف السورية والخليجية إفشال خطة عنان من أجل فتح الباب للتدخل العسكري الخارجي، مشيرا إلى أن فشل خطة عنان يعني انزلاق البلاد نحو مواجهة مسلحة والحرب اللأهلية.
ترى الهيئة في مبادرة عنان حلا مقترحا، دوليا يفتح الباب لتفكيك السلطة التي تقوم كل ثوابتها على العنف، وإنهاء العنف يجرد السلطة من أسلحتها، فالسلطة مفلسة سياسيا ولن تنقذها إجراءات أحادية فاشلة كتعديل فوقي للدستور أو إنهاء شكلي لحالة الطوارئ او انتخابات تلاعب فيها نفسها.
أما عن مبدأ الحوار مع النظام، فقد أشار مناع إلى الفارق بين الدولة السورية وبين النظام، وأكد رفض الهيئة الحوار مع من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري، مشيرا إلى ان الحوار لا يعني تقديم التنازلات عن مطالب الثورة، بل البدء بعملية تغيير سياسي حقيقي.