1. من منظور مناهض للإمبريالية، فإن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الإيرانية هو شيء إيجابي من حيث كون الطبيعة السائدة في شخصية الرئيس الإيراني المعاد انتخابه هي رفض إعادة ترتيب “الشرق الأوسط” وفق السياسة الأمريكية. هذا رغم صحة النقد حول غياب الديمقراطية الداخلية في إيران والسياسة الإقليمية الإيرانية المضرّة (خاصة في العراق)، وكلاهما أيضا من علائم شخصية النظام (أنظر نقطة 7).
2. حتى أدوات الإعلام الغربي ليس بوسعها تجاهل حقيقة كون الفقر هو من يدعم ترشيح الرئيس الإيراني، فإدانته للفساد داخل مؤسسات الدولة هي ما جلب له في الإعلام الغربي صفة الـ “شعبوي”، وهذا في الحقيقة اعتراف غير مباشر بالدعم الشعبي الواسع الذي يحظى به أحمدي نجاد.
3. من المعلوم أن المؤسسة الرأسمالية حول رفسنجاني، وهو الرجل الثاني في الدولة ورئيس مجلس الخبراء لا تؤيّد أحمدي نجاد، بل منافسه موسوي، إلى جانب تحالف من القوى الإسلامية من أقصى اليسار لأقصى اليمين، كما أن وقوف الرجل الأول في الدولة، آية الله خامنئي إلى جانب المنتصر في الانتخابات لا يعني أن أحمدي نجاد هو مرشحه المفضّل، ففي الحقيقة لم يرحب أحد من داخل المؤسسة الحاكمة بالهجوم العنيف الذي شنّه أحمدي نجاد على النخبة الحاكمة، إنما يتعلّق الأمر بالحفاظ على استقرار النظام.
4. ليس بوسعنا أن ننفي تماما حصول تلاعب بالعملية الانتخابية، إلا أن هذا يحدث في معظم الانتخابات التي تجري في دول العالم الثالث وحتى في بعض الدول الغربية حين تتصادم المصالح المختلفة ، وليس فقط حينئذ. من ناحيتها تتجاهل الدول الغربية العيوب التي تظهر في الاقتراعات إذا انتهت هذه بفوز القوى التي تحقق مصالح الغرب، في حين يبدأ الصراخ حول الغش والخديعة إذا كانت النتائج معاكسة. رغم ذلك فإن المعطيات السياسية تشير بقوة إلى فوز بيّن لأحمدي نجاد. ففي الواقع لا يسيطر أحمدي نجاد على كامل جهاز الدولة، بل في أحسن الأحوال فقط على قطاع منه، وإلى حد ما لا يعدّ أحمدي نجاد جزءا من النخبة الحاكمة، ما يجعل قلب نتائج الانتخابات يتطلّب ما يشبه انقلابا تقف فيه مراكز القوى في الدولة متحدة وراء أحمدي نجاد أو على الحياد، أو أن تتلاعب جهات مؤيدة لنجاد وقائيا بالانتخابات، وهذا مستبعد.
5. إن نسب المشاركة العالية في الاقتراع والتي تجاوزت الـ 80 بالمائة هي مؤشر على قوة واستقرار النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية، فهذه النسب لا تحلم بها حتى الديمقراطيات الغربية التي تلقت صفعة من خلال ارتفاع نسبة المشاركة وفوز أحمدي نجاد، فالمعايير المزدوجة التي تصم إيران بالدكتاتورية هي نفسها التي تبرر دعم أعتى دكتاتوريات المنطقة، وبالتحديد التي تؤيد الوجود الغربي وتنظم انتخابات صورية لا توجد فيها معارضات حقيقية ولا تترشح فيها غير النخب الحاكمة، في حين تشكل الانتخابات الإيرانية مفصلا للخيار الوطني بين طريقين.
6. عمق الشرخ السياسي يجعل من الصعب التنبّؤ إذا ما كان التحالف حول موسوي سيتقبل نتائج الانتخابات أم لا، ولكن من الواضح أجزءا كبيرة من الطبقة الوسطى ترغب بأفق حريات سياسية وثقافية أوسع. مع أنه من الواجب تأييد هذه المطالب مبدئيا، فإن هذه المطالب تختلط في خط المعارضة الحالي مع خط مهادنة الغرب سياسيا ومع توجه رأسمالي واضح المعالم اقتصاديا، وهذا الرابط هو المرفوض وهو في النهاية العائق أمام من يطالبون فعلا بالحريات السياسية، فمناهضة الإمبريالية هي الشرط الأولي لحركة ديمقراطية حقيقية، في حين يتجه التيار العام في الطبقة الوسطى الإيرانية، ورغم بعض خطاب يساري، نحو ممالأة الغرب.
7. إن سرورنا بنجاح أحمدي نجاد لا يعني عدم رؤيتنا للمشاكل العميقة التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية ونظامها، فغياب الحريات الديمقراطية والثقافية يتضمن أيضا قمع الأقليات القومية والدينية، فحتى لو حقق أحمدي نجاد إعادة توزيع مباشرة لصالح الطبقات الفقيرة، فلن يغير هذا الكثير في الصعوبات الاقتصادية وفي الفقر البنيوي التي تعاني منهما البلاد، ولن يصنع الكثير في مواجهة التطور (أو التخلف) الرأسمالي على هامش نظام السوق الحرة العالمي، ناهيك عن تغيير الدور الإيراني المعيب في العراق، حيث تدعم طهران الاحتلال الأمريكي وخلق منظومة سيطرة مزدوجة متناقضة، أمريكية إيرانية. رغم قيام السياسة الخارجية الإيرانية، وفي مواجهتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بدعم حالات مناهضة للإمبريالية (حزب الله وحماس)، فإن محورها الأساسي يبقى في السعي نحو سيطرة إقليمية ذات بعد ديني. وهكذا يبقى حاليا الدفاع عن مصالح الجماهير الاجتماعية الثورية من خلال مشروع مناهض للإمبريالية، على الرفّ.
ما زال من الضروري تقييم وتحليل نتائج الانتخابات الإيرانية بشكل مفصل لدى ظهورها واتضاح تبعاتها المباشرة.
المعسكر المناهض للإمبريالية 14 حزيران (يونيه) 2009