في خطوة فاقت أسوأ الظنون تقيم السلطة المصرية بإشراف عسكريين وفنيين أمريكيين جدارا فولاذيا بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وذلك إحكاما للحصار المضروب علي سكانه منذ عام 2006 ومنع أية محاولة لاختراقه عبر حفر انفاق تعين الفلسطينيين علي التغلب علي هذا الحصار القاتل وتمكنهم من الحصول علي احتياجاتهم حتىلقمة العيش ووقود التدفئة والدواء وقلم الرصاص. لذلك فإن إقامة هذا الجدار تستهدف تمكين اسرائيل من التغلب علي محاولات الفلسطينيين للفكاك منه، وهو مشاركة مباشرة وتعاون تام مع العدو الصهيوني ضد اشقائنا وجيراننا من سكان غزة.
تأني إقامة هذا الجدار في إطار الخضوع للإتفاقية الأمريكية الاسرائيلية، التي أبرمت مع وقف حرب الإبادة علي غزة في يناير الماضي، لمراقبة وحصار يمتد من مضيق جبل طارق إلي مضيق هرمز بمشاركة حلف الاطلنطي لمنع التهريب إلي الشعب الفلسطيني، والتي نصت أيضا علي مراقبة حدود مصر مع غزة من سواحل شمال سيناء وأرضها. حينها أعلن الرئيس مبارك ووزير خارجيته أن تنفيذ هذه الاتفاقية من أرض سيناء خط احمر. ومن الثابت اليوم أن تلك التصريحات لم تكن إلا للاستهلاك المحلي فقط. فالسلطة المصرية اليوم تخصع وتنفذ الاتفاقية بصورة افدح مما نشر عنها.
إن إقامة هذا الجدار، جريمة حرب وإبادة جماعية وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة ومعاهدات القانون الدولي الأخري التي حرمت حصار سكان الارض المحتلة وأوجبت على الحكومات الموقعة عليها السعي لمنعها. فغزة أرض محتلة وحصارها من هذه الجرائم. وباعتبارمصر المنفذ الوحيد من الحصار فهي ملزمة قانونا بفتح معبر رفح وأي منافذ أخري ممكنة لانقاذ سكان غزة من مخطط الإبادة. ومن الغريب أن تتذرع السلطة المصرية بحق السيادة على أرضها وبأمن مصر القومي، وهذا تبرير لا أساس له للجريمة النكراء التي ترتكبها. فحق السيادة في حماية الحدود مشروط بالالتزام بعدم الاضرار بالاقليم المجاور لها وهو قطاع غزة.
وعلاوة علي ذلك، فعن أية سيادة تتحدث الحكومة المصرية؟ إنها تتحدث عن السيادة في مواجهة أناس يحاولون النجاة من الهلاك ومن المنفذ الوحيد المتاح لهم وهو حدودهم مع سيناء والتي لا تشكل أي عدوان على السيادة، في حين أننا ملزمون وفقا للقانون الدولي بأن نساعدهم علي النجاة. وتقول السلطة هذا الباطل بزعم حق السيادة في الوقت الذي تقبل فيه بانتهاكها بالقوات الدولية والامريكية التي تدنس شرق سيناء بكاملها، وبالشروط التي حرمت جيش مصر من الانتشار والسيطرة على ثلاثة ارباع سيناء.. إن أخر من لهم حق الحديث عن سيادة مصر علي أرضها هم من وقعوا ومن يؤيدون معاهدة العار المسماة معاهدة السلام. أما ما تدعيه عن حماية امن مصر فقلب أخر للحقائق، فلا يهدد أمننا عبور فلسطينيين أو بضائع أو حتى سلاح لغزة، وإنما يهدده الكيان الصهيوني وأمريكا، وما لجأ الفلسطينيون إلي التهريب وحفرالانفاق إلا بسبب وطأة الحصار.
إن حرص السلطة المصرية على منع تهريب السلاح لغزة هو مشاركة للعدو الصهيوني الأمريكي في تعجيز الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال. وفضلا عن ذلك فإنها لا تستهدف منع مرورالسلاح فقط، بل وأيضا منع مرور المؤن الضرورية للبقاء عن طريق إغلاق معبر رفح أغلب الوقت وهو معبر لا يهرب منه السلاح بالطبع. إن صمود غزة ركيزة من ركائز أمن مصر وعامل من العوامل الأساسية التي ستمكننا يوما من التحرر من الاغلال المفروضة علينا في سيناء وعلى موقفنا الصحيح من مصالحنا في العالم العربي.
لذلك فإن اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية إذ تدين إقامة هذا الجدار وتعتبره خطرا داهما علي الشعب الفلسطيني وخضوعا جديدا مذلا لعدونا الصهيوني الأمريكي وتفريطا جديدا في سيادتنا علي أرضنا واستقلالنا السياسي، تدعو أبناء شعبنا وجميع قواه الوطنية إلي مواصلة رفضهم إقامة هذا الجدار ومقاومتهم له وتصعيدها والمثابرة عليها حتى يسقط نهائيا.
28 / 12/2009
اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية