فاق مقدار العنف في الهجوم الإسرائيلي على أسطول التضامن مع غزة كل التوقعات عندما هاجمت القوات البحرية الصهيونية مع بزوغ فجر الحادي والثلاثين من أيار (مايو) سفن أسطول الحرية في المياه الدولية وشرع جنودها حسب تقرير مراسل الجزيرة بإطلاق النار في كل اتجاه “فور أن لامست أقدامهم الأرض”، وبلغ عدد القتلى حسب المعطيات الأولى التسعة عشر، ومعهم سبعة وعشرين جريحا بعضهم في حالة خطرة، وقامت بأسر المشاركين الـ 650 واقتيادهم مع السفن إلى ميناء أسدود جنوب الساحل الفلسطيني المحتلّ، وقد علم فيما بعد أن عددا من المختطفين قد تم نقلهم إلى سجن عسقلان سيّء الذكر من أجل التحقيق معهم.
لقد بدأت الحكومة الصهيونية المتطرفة قبل الهجوم بايام بحملة إعلامية ضد أسطول الحرية هدفها إعداد الرأي العام لتقبّل اعتراض البحرية الصهيونية للسفن ومنعها من الوصول إلى غزة، ومع ذلك لم يتوقّع أحد مجزرة بهذا الحجم، فقد فتح الجنود الصهاينة النار على أناس عزّل ليسوا كلّهم من الأتراك والعرب الذين لا تساوي حياتهم الكثير في عيون الإعلام الغربي، بل أن بينهم برلمانيون أوروبيون وحملة جوائز نوبل للسلام وناجون من المحرقة (الهولوكوست) ورجال دين.
ليس صحيحا تبسيط الأمر بأن دولة إسرائيل يحكمها جنرالات معتوهون غير قادرين على تقدير التبعات والعواقب، بل الواقع هو أن جنرالات إسرائيل وسياسيَوها يؤمنون بأنه لن تكون هناك عواقب، كما لم تكن هناك بعيد العدوان على غزة في أوائل عام 2008، حيث قامت وقتها مثلا المستشارة الألماني ميركل بالتأكيد على تضامنها “غير المشروط” مع إسرائيل رغم فظاعة العدوان.
على ما يبدو فإن حسبة الجنرالات هذه حسبة موفّقة، فوسائل الإعلام الغربي تتبنّى تدريجيا رواية الجيش الإسرائيلي التي تتحدث عن تعرّض حياة الجنود للخطر (مع أنهم هم المهاجمون!). أجهزة الإعلام هذه لن تتأثر بأن يتم اعتراض واختطاف السفينة راشيل كوري في المياه الدولية، بالضبط كما لم تتأثر باستشهاد الناشطة راشيل كوري نفسها تحت الجرّافة الإسرائيلية التي حاولت إيقافها.
كما أن نتيجة “التحقيق المفصّل” التي يطالب لاتحاد الأوروبي بها نفاقاً لن يكون مصيرها بأفضل من مصير تقرير غولدستون، فلا تبعات ولا عواقب، لا سحب سفراء ولا عقوبات.
وبالمقابل فإن حصار غزة سيدوم ليتم معاقبة الفلسطينيين الرافضين الاعتراف بقانونية الكيان الصهيوني، أي أن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل كالعادة فيما يتعلّق بالـ”شرق الأوسط” فور اضمحلال موجة الغضب الحالية، فالوقت والتلفاز قادران على شفاء الجراح، حسب اعتقادهم.
هذا بالتحديد ما تراهن عليه النخبة السياسية الصهيونية وعليه تبني سياستها، فالتوسع الاستعماري في الضفة الغربية متواصل، وتجويع غزّة متواصل، واغتيال القيادات والمناضلين الفلسطينيين متواصل، في حين يتم التحضير للعدوان القادم على إيران أو سورية أو لبنان أو كلهم معاً، ولن يتغيّر شيء ما لم تتغيّر التبعات، كما لن تحيد أوروبا وأمريكا عن دعمها غير المحدود ما دام الكيان الصهيوني يضمن هيمنتهم على المنطقة وما دامت تكاليف دعمهم للكيان الصهيوني أقل من تكاليف تواجدهم المباشر في العراق وأفغانستان.
لن تغير دولة إسرائيل سياستها ما لم تتم مساءلة القتلة، كما لن تتوقف النخب الأوروبية عن تضامنها اللامشروط مع إسرائيل ما لم تدفع ثمن هذا التضامن كشريك في الجريمة التي ترتكب في فلسطين. وطالما لم تتم محاسبة الصهاينة ومن يساندهم، فإن احتمال الموت خلال نشاط تضامني سلمي سيقارب احتمال الموت في عملية مقاومة، وقد أثبت التاريخ أن هذه العبثية بالتحديد هي ما يقود إلى تجذير وسائل النضال.
هنا في الديمقراطيات الغربية يكون من واجب الناخبين تسجيل موقفهم أمام حكوماتهم بأنهم يرفضون أن يكونون طرفا في الجريمة، إنه واجب المواطنين أن يحتجّوا على هذه الشراكة في الجريمة قبل أن يتحولّوا إلى شركاء غير مباشرين، وعليه فإن العقوبات على دولة إسرائيل تبدأ من الأسفل، بالمقاطعة.
إننا نطالب بـ
وقف صادرات السلاح إلى دولة إسرائيل!
سحب سفراء الاتحاد الأوروبي من دولة إسرائيل!
فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية على دولة الفصل العنصري إسرائيل!
الاعتراف بحكومة غزة المنتخبة ورفع الحصار فورا عن القطاع!
بهذا فقط يمكن أن ينشأ الحوار حول سلام عادل في المنطقة، ومن أجل هذا ننادي الجميع إلى النزول إلى الشارع ومواصلة التضامن.
المعسكر المناهض للإمبريالية
فيينا، دويزبورغ، روما، 31 أيار (مايو) 2010