لنفهم تبعية الطبقة العاملة في الأرض المحتلة 1967 للبرجوازية المحلية سواء قبل أوسلو ـ ستان أو خلالها حتى اليوم، ولنفهم اسباب تدهورها سواء على صعيد الأداء النقابي أو الأداء السياسي الوطني وصولاُ إلى التطبيع من رئاسة الاتحاد العام، لا بد من البدء بالتفريق، بل بكشف الفارق بين الحركة العمالية والنقابات العمالية لما لهذا الفارق من اثر حاسم في طبيعة وموقف الطبقة العاملة وتوضيح ما آلت إليه.
يكون نشوء النقابات العمالية طبيعياً وضروريا في التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية الراسمالية طالما هناك طبقة تمثل نمط الإنتاج المسيطر (نمط الإنتاج الراسمالي) في مجتمع دخلته الصناعة. وتستغل الطبقة الراسمالية بالطبع الطبقة النقيض ، الطبقة العاملة، التي وجودها شرط ضروري لنمط الإنتاج الراسمالي إلى جانب الطبقة الراسمالية. ويهدف العمال من نشاطهم النقابي العمل المطلبي التقليدي كتحسين اجورهم وتقليص ساعات العمل والحصول على الأمن الصناعي والضمان التشغيلي …الخ. أما ومطالب النقابات في هذا المستوى، فهي في جوهرها آليات لترطيب العلاقة بين المستخدِمين والمستخدمين عبر مساومات دائمة.
وبدورهم يقبل الراسماليون بدرجة معينة من المساومة تتراوح بين حدَّين أدنى وأعلى:
· الحد الأدنى توفير أجور للعمال تسد أجر الكفاف أو إعادة إنتاج شخص العامل فيزيائياً/جسديا كي تتجدد قوة عمله ويبقى قادر على العمل، فبدون هذا الأجر الكافي لا يبقى أمام العامل سوى الإضراب وهذا يُعطِّل خط الإنتاج الأمر الذي يخشاه بل يُروَّع منه الرأسمالي.
· والحد الأعلى الذي يرفض الراسمالي وصول مطالب العمال إليه وهو المساس بمعدل الربح أو مقدار الفائض بما هو الخط الأحمر للراسمالي. ولذا يحاول الراسمالي الحفاظ على معدل الربح بضمان تحصيل الفائض. وهو الضمان الذي يتأتى بتكثيف تشغيل العمال، والضغط على أجورهم إلى الأدنى لخفض كلفة المنتجات…الخ[2].
ولأن العلاقة بينهما هي علاقة تناقضية، رغم المساومة الملموسة، ففي حين يقوم العمال بإنشاء النقابات يقوم الراسماليون بالمقابل بمحاولات اختراق جبهة العمال اي النقابات سواء بجر قيادة النقابات[3] لصالحها وغالباً ما يتم هذا بالرشى، أو بتفتيت التماسك النقابي عبر خلق ارستقراطية عمالية لها مصلحة في المساومة على القطاعات العمالية الأخرى[4] وهذا يتضمن مخاطر على النقابات مثل بقرطة القيادة والتي تقود إلى لا إبالية الأعضاء، الأمر الذي دعى روزا لكسمبورغ لاعتبار نضال العمال شبيهاً بمحاولات سيزيفSisyphus في أسطورته. وتقود لا إبالية الأعضاء إلى تفكيك الطبقة العاملة حسب مراتبية المهن وبروز مؤسسات يتم من خلالها مأسسة وتضبيط النضال أو تدجينه.
والدارج أن التناقض حتى غير الحاد والشديد بين الطبقة العاملة ورأس المال لا يظل محصوراً بينهما بل تتدخل الدولة عادة لصالح رأس المال وهو التدخل الذي بدأ بمنع تشكيل النقابات العمالية التي لم تحصل على حق الانتظام والإضراب والمطالبة إلا بعد نضالات مريرة
الحركة العمالية
والحركة العمالية هي المرحلة الأرقى لنضالات الطبقة العاملة أو الطبقات الشعبية لأنها تناضل على المستويين المطلبي اليومي وعلى مستوى بسط هيمنة الطبقات الشعبية كبديل لهيمنة الطبقة البرجوازية/هيمنة راس المال. فنضال الحركة العمالية سياسي طبقي يهدف إلى تغيير النظام السياسي/الاقتصادي الاجتماعي الراسمالي بنظام اشتراكي. ولا تتكون الحركة العمالية إلا بتوفر الوعي السياسي الطبقي في أوساط الطبقة العاملة. وحين يكون الوعي الطبقي/السياسي متدنياً أو غائباً لا يرتقي الموقف السياسي للطبقة العاملة إلى الارتكاز على حقيقة أنهم هم الذين يُنتجون وبالتالي هم الذين يجب أن يقودوا المجتمع ويتبلور عدم الارتقاء هذا في الاعتقاد ب “حق” البرجوازية في القيادة!
لكن نضال الحركة العمالية لا ينحصر فقط في تغيير النظام دفعة واحدة أو منذ بداية نضالها بمعنى أن نضالها لا ينفصل عن النضال النقابي بل هو تطور له وعنه. لذا، في حين تقبل النقابات بزيادة عشرة بالمئة في أجورها أو ربط الزيادة في الأجور بالزيادة في الأسعار، فإن الحركة العمالية تنتقل بعد كسب العشرة بالمئة زيادة في الأجور إلى المطالبة بالعشرين بالمئة ثم الثلاثين…الخ. وصولاً إلى استرداد مواقع السلطة.
لماذا، لأن هدف الحركة العمالية تغيير النظام وتسويد هيمنة الطبقات الشعبية لتحل محل هيمنة الطبقة البرجوازية, لذا، فهي تشكل وعي طبقي وسياسي وبالتالي تشكل تهديدا ونقيضا للبرجوازية. ولأن البرجوازية تعي ذلك فهي لم تسمح حتى بالنقابات العمالية إلا مضطرة وبعد نضالات مريرة.
المناطق المحتلة (أوسلو ـ ستان)
تختلف الظروف في المناطق المحتلة عن البلدان الصناعية التي تقود اقتصادها دولة تمثل/تتحالف/تتشارك مع راسمالية صناعية إنتاجية وقومية التوجه، بمعنى أن خط الإنتاج ضعيف وغير متطور ولا يستوعب عددا كبيرا من العمال، بل وبمعنى ان رأسمالية طفيلية وكمبرادورية لا تنمو مقابلها وعلى هامش مجالات التشغيل لديها طبقة عمالية متماسكة وواعية بل هشة بالطبع. ولا تكون البرجوازية الطفيلية ديمقراطية لأن خط الإنتاج لا يرغمها على تقديم مرونات سياسية ولا حتى أجورية للعمال كما ان النسبة العالية من البطالة تسمح لها باستبدال سريع وسهل لعمالها بعمال يكسروا إضرابات عمالها علاوة على أن أعمالا غير معقدة تسمح بإحلال عمال محل آخرين بسهولة.
تشتبك أية قراءة اجتماعية اقتصادية للمناطق المحتلة بإشكالات يصعب توفير توافق على اية تعريفات لها مما يجعل الحديث فيها كالمشي في أرض موحلة. تبدأ هذه الإشكالات من الزعم بأن المناطق المحتلة 1967 هي فلسطين، وصولا إلى التساؤلات الاستنكارية بأن هناك طبقات في هذه التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية. وبعيداً عن الدخول في المفاهيم النظرية للمسألة إلا أن هناك تفارقات طبقية في هذه المناطق لا تسمح بأن نعتبر مالك المصنع أو المعمل والتاجر الكبير مثلهم مثل العامل الماجور الذي يتفاضى 70-100 شيكل(20-30دولارا) عن شغل يومي. وسواء هي طبقات عالية التبلور أم نتوءات طبقية، إلا أن هناك عمل مأجور يشتغل لدى أصحاب العمل. وفي هذا المستوى لا ننفي أن التناقض الرئيسي هو ضد الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، ولكن هذه الحقيقة لا تنفي كذلك أن هناك علاقات عمل وتشغيل راسمالية يتم فيها الاستغلال إلى أقصى حد ممكن كي يحصل الراسمالي على أعلى فائض ممكن.
وهذا يفتح على خواص للمرحلة تنفرد بها الأرض المحتلة 1967، حيث الأحزاب السياسية لا تمثل طبقات اجتماعية بشكل محدد، وحيث قطاعات واسعة من الطبقات الاجتماعية (الراسمالية المالية والطبقة الوسطى) قد نمت خارج البلاد. في الأرض المحتلة 1967، قلَّما يمارس الفلاحون العمل الزراعي وثلثا الطبقة العاملة إما في الشتات أو مضطرين للتنقل اليومي للعمل داخل الكيان، وهم الذين تم استيعاب معظمهم بعد اتفاق أوسلو-ستان في أجهزة السلطة ليصبحوا موظفين في جهاز بيروقراطي ولا يعود لهم دور إنتاجي كجزء من الطبقة العاملة أو الفلاحين. والمانحون يتصرفون كحاكمين، إما مباشرة أو لا مباشرة عبر منظمات الأنجزة، كما اصبح موظفو الأنجزة شريحة تتعيَّش من العائدات غير المنظورة. هذا يوفر لسلطة الحكم الذاتي: بأن تحكم بسهولة، وأن تحل محل قيادات الطبقات الاجتماعية وتقبل بدور كونها سلطة تحت الطلب. ولكن رغم كل هذا، ما زال كثيرون يزعمون بأن هناك مجتمعاً مدنياً في مناطق سلطة الحكم الذاتي[5].
أما والحالة النقابية على ما هي عليه، فمن الطبيعي ان لا ترتقي إلى حركة عمالية. هذا مع ضرورة الإشارة إلى أن الارتقاء إلى حركة عمالية غالباً ما يتطلب تبلور طبقي قائم على وعي طبقي سياسي للطبقة وعي الطبقة لنفسها. ورغم ذلك، فعدم الوعي السياسي الطبقي لا يحول دون التبلور النقابي والنضال المطلبي كمقدمات للوعي السياسي الطبقي. وبالمقابل، فالتبلور الطبقي من حيث وجود عمل مأجور كليا في تشكيلات المركز وقطيعة بين العمال والملكية الخاصة، ووجود معدلات استغلال عالية جداً وتحصيل الراسمالي لقيمة فائضة نسبية عالية جدا والاتساع المتزايد بين المقدار القيمي مبلوراً إلى نقود بين العمل الضروري والعمل الفائض، ومع ذلك فإن هذه كلها لا توجب أو تحتم وجود وعي سياسي طبقي للطبقة العاملة مما يبلور هيمنتها ودخولها في صراع طبقي تناحري مع رأس المال.
كل هذا يؤشر على أمرين:
الأول: نسبية القدرة على وصف حركة بانها حركة عمالية.
والثاني: رمادية الحدود أو الفواصل بين النقابات والحركة العمالية.
على أن لعدم تبلور حركة عمالية في الأرض المحتلة أسباب أخرى غير بل وإضافة إلى الأسباب العامة في البلدان المتقدمة أو المستقلة فعلا وعلاوة كذلك على وجود الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
الإلحاق الطبقي
يتعرقل الفلسطينيون دوماً في التفريق بين مهمة وأخرى وبين مرحلة واخرى. وربما لهذا علاقة بالوعي السياسي الطبقي وغالباً بالاختلاطات الفكرية النظرية التي تشوبها في العادة ضبابية تنم عن فهلوة القيادات السياسية وفقرها الفكري إلى جانب زعمها العلمي، وهي حالة تتفاقم حين يسيطر على المنظمة السياسية أن ما تعرفه القيادة هو آخر العلوم! وبهذا يُخصى النقد طالما جرى خصي الوعي.
يكمن الخلل المركزي في مسيرة الطبقة العاملة في الأرض المحتلة في تذيُّل هذه الطبقة للطبقة البرجوازية عبر تذيُّل الاتحاد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، إذ يفتخر قادة الاتحاد وقادة المنظمة أن هذا الاتحاد كان أول القطاعات الشعبية الفلسطينية التي اعتبرت م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهي مبايعة تم سحبها من الوطني السياسي إلى الطبقي الاجتماعي، ولم يتوقف حتى الآن.
كان الأمر أقل خللا طالما كانت المنظمة بعيدة عن الأرض المحتلة سواء تاثيراً أو من حيث الحضور البشري. فمن حيث التاثير، بدأت قيادة المنظمة في محاولات شراء ولاءات القطاعات الشعبية والمؤسسات في الضفة والقطاع بعد منتصف السبعينات حيث بدأ إغراق المؤسسات بأموال سياسية حوَّلت النضال والعمل البرِّي للمنظمات الجماهيرية إلى توابع بأجر لقيادات القوى السياسية ولا سيما حركة فتح بما أُغدق عليها من تمويل رسمي عربي.
منذ تلك الفترة صار من المحسوم أن تكون رئاسة النقابات العمالية واتحاد الصحفيين والكتاب… الخ محسومة لحركة فتح لأنها مصدر التمويل. وبهذا تحولت الأنشطة البرية إلى أنشطة معلَّبة وممولة من القيادات السياسية وبدأت كافة هذه المؤسسات تُقاد في أغلب الأحيان طبقاً ل كوتا تتقاسمها التنظيمات السياسية وتحديداً فصائل منظمة التحرير.
وبعد اتفاق أوسلو وتشكيل سلطة الحكم الذاتي استمرت الكوتا، وصار بوسع رئيس السلطة تعيين قيادة الاتحاد العام للعمال، بل قام بذلك. وطبقاً للكوتا صار لكل تنظيم نقابته العمالية وأُعتيد على تقسيم مقاعد الاتحاد بين التنظيمات. اي صار القائد السياسي ، وهو غالباً من الطبقة الوسطى وربما من إحدى شرائح الراسمالية هو الذي يفاوض ويتحدث باسم نقابة حزبه. وهي تركيبة توحي بأن كل حزب طبقة، وتحالف الأحزاب هو تحالف طبقات! وهذا يعني بوضوح أن الطبقة العاملة قد وكلت أمرها وأقامت مقام نفسها النخبة السياسية للطبقة البرجوازية ليس في الموقف السياسي وحسب بل في العلاقات الطبقية، علاقات عمل- رأسمال، التي من المعصية توكيلها اصلاً، فكيف حين توكل من طبقة لنقيضها الطبقي.
فيما يخص النضال الوطني يشكل العمال العمود الفقري في مختلف التنظيمات[6]. إلا أن نضالهم هذا لم يُجيَّر قط كرصيد للطبقة العاملة بل للقوى السياسية، وحتى لنخبها القيادية التي ليست عمالية. ومع ذلك، كان نضال النقابات العمالية العمالي والمطلبي أكثر فعالية ونشاطاً قبيل اتفاق أوسلو رغم أن مناخ النضال الطبقي اصبح اكثر مؤاتاة للنضال العمالي مما كان عليه في الفترة ما بين 1967-1993. وقد لا نجانب الصواب بالقول إن هذا ناجم عن تدجين الطبقة العاملة عبر تمثيلها على يد قيادات الفصائل وليس الكوادر العمالية. وهكذا، قاد انخفاض السقف السياسي الوطني إلى انخفاض السقف النضالي الطبقي في الأرض المحتلة.
إلحاق…لا دقرطة!
طالما جرى إلتحاق من جانب القيادات العمالية لقيادة م.ت.ف، فقد اصبح إلحاق الطبقة العاملة بهذه القيادة أمر مفروغ منه بل صار تقليداً. وعليه اصبحت الطبقة العاملة مثابة مؤسسة من مؤسسات م.ت.ف بمفهوم م.ت.ف وممارساتها البيروقراطية والفاسدة. وبالتالي طُبقت عليها العلاقات الهرمية غير الديمقراطية في المنظمة سواء ما يتعلق بالتعيين والمراتبية.
وهذا ما أوقف اية محاولات لإجراء انتخابات ديمقراطية في الاتحاد العام الذي أدمن قبول التعيين المفروض من الأعلى. وعليه، حين جرت محاولات لانتخابات الاتحاد العام للعمال تمكنت السلطة من إجهاضها بل منعها.
ويبدو أن هذا الاعتداء من السلطة على حقوق العمال إلى هذا الحد قد أصَّل في أوساط النقابات العمالية تقليد العجز عن الاحتجاج، اي أُفرغت من ثقافة الاحتجاج، وهو الأمر الذي تجلى أخيراً في مرور العلاقات التطبيعية من رئاسة الاتحاد مع الكنيست وكأن الأمر لا يعني النقابات العمالية. وهي علاقات كما اشرنا اعلاه، لا تراها رئاسة الاتحاد تطبيعية ولا تراها منظمة التحرير تطبيعية بدورها.
وبدوره، فإن رئاسة اتحاد العمال قررت مختلف علاقاتها مع الهستدروت مستندةً على علاقة الاتحاد ب م.ت.ف وبالطبع على دور م.ت.ف التطبيعي وهو الدور المتجلي في سلطة الحكم الذاتي بما هي قاطرة التطبيع. وهذا يشير إلى تبادل الدعم وشد الأزر بين قيادة الاتحاد وقيادة م.ت.ف.
ولا يخفى أن تاريخ م.ت.ف هو تاريخ لا يمت إلى الديمقراطية بصلة بما هي قائمة دوما على الكوتا في مختلف علاقاتها. وهذا يفتح على مسألة انتخابات الحكم الذاتي التي طالما أُشيد بها مع أنها جوهرياً الانتخابات الأولى في التاريخ التي تحصل في ظل استعمار استيطاني، وبتمويل بل وبقرار من الأجنبي العدو تحديداً. وهي بالطبع انتخابات لأجندة سياسية غير محلية، اي بموجب اتفاق أوسلو لتثبيت الاتفاق الذي جوهره الاعتراف بالكيان الصهيوني. لذا، وحين جائت نتائج الانتخابات معاكسة لمشروع أوسلو ورغبة المانحين، قطع هؤلاء التمويل عن الحكم الذاتي.
لم يكن الدُعاة إلى وممولي هذه الانتخابات ديمقراطيين حقاً بل رُعاة كولونياليين لديمقراطية تحت استعمار استيطاني. لذا، لم يعبئوا قط بوجوب إجراء اية انتخابات أخرى سوى تلك التي للحكم الذاتي بما هي انتخابات تصب في مصلحة تثبيت ااتفاق أوسلو المتضمن اساساً الاعتراف بالكيان الصهيوني.
ضجَّة اقل ويموت كل شيء
هكذا تُعالج الآفات في الأرض المحتلة. فبعد أن أُثيرت ضجة ما احتجاجاً على ما قام به رئيس اتحاد العمال من تطبيع مع الهستدروت توقفت تقريباً الاحتجاجات، وخاصة من النقابات العمالية (هذا إن حصلت كما يجب)، ولجأ كلٌّ من جانبه إلى تخفيف الوتيرة ثم الطأطأة، تماما كما كان يحصل في تاريخ م.ت.ف بعد ممارسة مرفوضة او خلافية ، يطرأ احتجاج ساخن ثم يموت. لا متابعة إذن، سؤال برسم الإجابة!
——————————————————————————–
[1] هناك جدل طويل متعلق بتعريف التطبيع إلى درجة اعتقاد البعض، ومن بينهم رئاسة الاتحاد العام للعمال بأن العلاقة مع الهستدروت ليست تطبيعاُ طالما تقوم وترتكز على علاقة واعتراف م.ت.ف بالكيان الصهيوني كقاعدة. وبالطبع فإن هذا التفسير لا يعتبر العلاقة مع الهستدروت تطبيعاُ، وإذا ما أطلقت على العلاقة هذه التسمية اي التطبيع فذلك يعني بنظر من يقومون به أنَّ التطبيع ليس مثلبة ولا حيفاً. يمكن الرجوع إلى كتاب عادل سمارة الذي صدر مؤخراً: التطبيع يسري في دمك. [2] على سبيل المقارنة، كان نظام الأبرثايد في جنوب إفريقيا حريصاً على بقاء مناطق زراعية للأفارقة/السود لكي تساهم منتجاتها في إعادة إنتاج العامل في صناعاتها مما يسمح لها بعدم دفع اجور أعلى وبالتالي الحصول على فائض أعلى. [3] في مناطق الحكم الذاتي تم ربط قيادة اتحاد العمال بالسلطة بما هي مصدر لتمويل الاتحاد وتم إعطاء حركة فتح رئاسة الاتحاد ونسبة عالية من الأعضاء لأنها ايضا مصدر التمويل. وهذا يؤكد عدم استقلالية الاتحاد طبقياً. [4] لم يعد الحديث عن الطبقات كما كان سابقاً بأن الطبقة كتلة متماسكة بل يمكن أن تكون هناك تناقضات بين شرائح أو فئات من الطبقة الواحدة سواء الراسمالية أو الطبقة العاملة. ففي البلدان الصناعية المتقدمة، الولايات المتحدة مثلا، هناك القطاع/الفئة العمالية في الاقتصاد الجديد اي الصناعات الإلكترونية والبتروكيماوية، وقطاع الصناعات الكلاسيكية الثقيلة وقطاع عمال الخدمات والورش الصغيرة والعمل المأجور في الزراعة…الخ. [5] Adel Samara, Palestine: From Historical De-classing to a Stand-by Regime, A paper presented to a conference on“The Economy and the Economics of Palestine: Past, Present and Future” sponsored by SOAS Palestine Society at the University of London 27-28 January 2007 [6] “…معروف ضمنا أن التحول في جنوب إفريقيا في هذا الاتجاه اعتمد مسبقاً وبشكل بارز على تطور البنية “النضالية للشعب” والمرتكز اساساً على الطبقة العاملة والانخراط الكلي للاتحادات العمالية الديمقراطية ومنظمات الشعب الجماهيريةفي النضال. عن:Race, Class and the Apartheid State, no: 104-5, quoted in: MICHAEL BURAWOY, FROM LIBERATION TO RECONSTRUCTION: THEORY AND PRACTICE IN THE LIFE OF HAROLD WOLPE: ARTICULATIONS: A HAROLD WOLPE MEMORIAL LECTURE COLLECTION 3 , 22 JULY 2004.
ورغم أن جنوب إفريقيا لم تشهد التحولات التي كان يتوفعها الكثيرون، إلا أن دور اتحاد العمال هناك COSATO ما زال قوياً في مواجهة البرجوازية الخليطة من البيض والسود ولم يتخلى بل ازدادت وتيرة نضاله الطبقي، وهو الاتحاد نفسه الذي قدم للاتحاد الدولي للنقابات في مؤتمره المنعقد في فانكوفر 2010 مشروعاً يطالب بمقاطعة إسرائيل إضافة إلى الإعتراف بإسرائيل كدولة فصل عنصري، في حين لم يدعم ذلك أمين عام اتحاد عمال فلسطين في كلمته هناك!