جاء خبر تنحي بن علي عن السلطة مفاجئا للجميع، مما يشير إلى انقلاب داخلي ضمن النظام، فبعد انقضاء شهر عجز فيه ن بن علي عن قمع الانتفاضة، حان الوقت لكي يبحث داعموه الغربيون (فرنسا والولايات المتحدة) عن بديل، وفي ما يشابه حالة جورج بوش، سيلقى بالذنب على شخص الرئيس المخلوع ومن ثم يستمر النظام سياسياً واقتصادياً.
فبعد الإطاحة ببن علي يحاول النظام الالتفاف على مطالب الانتفاضة الشعبية، وهكذا قام رئيس البرلمان الذي تسلّم واجبات رئيس الجمهورية بتكليف رئيس الوزراء السابق محمد الغنوشي بتأليف حكومة “وحدة وطنية” جديدة، وبينما تطالب المعارضة التونسية الحقيقية بإزاحة كاملة للنظام، وتشكيل برلمان جديد وحكومة جديدة منبثقة عن انتخابات حرة، فإن مفاوضات تجري بين أحزاب البرلمان لتشكيل حكومة جديدة، في استبعاد للقوى السياسية الحقيقية والمحركة للانتفاضة الشعبية. وفي تطور خطير أعرب متحدث باسم حركة النهضة الإسلامية التي لم نسمع عن دور لها في الانتفاضة عن استعداد حزبه للمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة.
إن في تونس ما يربو على ثمانية أحزاب “معارضة” مرخصة لا تمثل أحدا، وبهذه الأحزاب الصورية لفق نظام بن علي أمام شركائه الغربيين معارضة وحكماً برلمانياً، أما في الواقع فقد كانت الأحزاب والمنظمات اليسارية والإسلامية المستندة فعلياً إلى قاعدة شعبية ممنوعة وملاحقة، وكان الناشطون السياسيون من كل الأطياف الإسلامية واليسارية والناصرية نزلاء دائمين في سجون النظام.
إن غالبية القوى التونسية التي قامت عليها الانتفاضة ترفض المفاوضات مع النظام الحالي،. فالبرلمان المتشكل على إثر انتخابات الثاني عشر من تشرين أول- اكتوبر 2010 لا يمثل أحدا بعد أن حدد بن علي حصة المعارضة بعشرين بالمائة، حيث جرى تطويع الدستور التونسي ليتمتع الحزب الحاكم – التجمع الدستوري بالغالبية المطلقة.
ولكسب الوقت، يحاول النظام شل الحراك السياسي عن طريق الفوضى المبرمجة معتمدا على شبكته الواسعة من الشرطة السرية والمخبرين التي كانت على الدوام أكفاً وأسرع من الشرطة النظامية ، فعلى إثر انسحاب مفاجئ لكل قوى الأمن شرعت عصابات النظام بعمليات النهب وبإضرام النيران في مؤسسات عمومية وحتى بمهاجمة بيوت المدنيين لترويع المواطنين وإشغالهم بهاجس الأمن، في حين يتم تشكيل حكومة جديدة تضع “إنهاء حالة الفلتان” (نفس الكلمة التي تستعملها حكومة عباس/فياض) لإنهاء الانتفاضة الفلسطينية) كأولوية عليا، ويتم بذلك إجهاض المطالب الحقيقية للانتفاضة الشعبية.
في نفس الوقت تجري رشوة بعض أطراف المعارضة عن طريق عروض إشراكها في الحكم، ليتم من ناحية شق صفوف النخبة السياسية، وليسهل على النظام الحصول على دعم سياسي عالمي ضد “الفوضى والنهب وإرهاب الإسلاميين”، فيقوم الجيش الذي بقي محايدا إلى الآن بتنفيذ مهمة تصفية الانتفاضة تحت شعار إنهاء حالة الفوضى.
إن هذا النصر المفاجئ في سرعته والذي تحقق بفرار بن علي يستوجب الدفاع عنه بكل الوسائل حتى لا يضيع، وعليه فيجب أن يكون الرد الجماهيري هو تنظيم وتسليح قوى الدفاع الشعبي ضد المجرمين، وربط مفهوم الدفاع الشعبي ببرنامج سياسي تتوافق عليه قوى الانتفاضة يكون حده الأدني سقوط النظام وتشكيل حكومة انتقالية تكون مهمتها صياغة دستور جديد للبلاد يصلح أساسا لانتخابات ديمقراطية تجري خلال زمن منظور.
بعد ثلاثة وعشرين عاماً من قمع النظام الذي نجح في تفكيك المنظمات والأحزاب المعارضة في البلاد، لابد أن تعاني أية انتفاضة إلى نقص في القيادات والكوادر السياسية وفي الخبرات التنظيمية، وهذا ما يراهن عليه النظام، وعليه ينبغي أن تعطى الأولوية الآن لإعادة تنظيم القوى وبناء جبهة سياسية من أجل منع تمييع المنجزات الأولى للانتفاضة.
المعسكر المناهض للإمبريالية
فيينا، 16 كانون ثاني (يناير) 2011