الأولى أن شباب مصر لم يتنكروا لشباب تونس بل هم اعترفوا لهم بأنهم أصحاب الخطوة التي أنهت بلا رجعة حاجز الخوف من الأنظمة القمعية في الوطن العربي لأنهم بادروا بالتصدي السلمي للاستبداد والقهر بثبات وبمنهجية سلمية وكان يمكن ألا تتوقف قبل أن تحقق أهدافهم: فكان الشابي شاعر الثورتين وكانت الشعارات من نفس الجنس دون أدنى دور لعقدة المقابلة بين مصر وتونس أو الكلام على ثورة لاحقة تلغي دور الثورة السابقة.
الثانية أن شباب مصر قد أدرك أن مؤامرة أعد لها انقلابان تجري وحاولا فيها إجهاض الثورة في تونس ولا يزال بطلها التحالف الرباعي بين بقايا النظام وبقايا المعارضة الديكورية والفاسد من قيادات الاتحاد وشهود الزور من نخب اليسار التي تركب أي كار لتقاسم المستبد بالديار من أهلها أو من الأغيار.
وهذان الانقلابان هما:
انقلاب أجهزة النظام على رأسه حتى يغالطوا الشعب بأن مجرد التخلص من رأس نظام الاستبداد كاف حتى يتوهم الشباب أن ثورته قد أنهت مهمتها ومن ثم يبقي على النظام نفسه وإن بتطعيم الوجوه القديمة بما يبدو جديدا وهو في الحقيقة جيل عجلات النجدة من نفس النظام.
انقلاب بعض الفاسدين من المعارضة اليسارية وبالذات حزب الديموقراطي التقدمي وحزب التجديد لمقاسمة بقايا النظام ما يحولون دون الثورة وتحقيقة حتى يتمكنوا بنفس تقنيات الحزب الحاكم تحقيق شروط الوجود في الساحة دون وزن تمثيلي حقيقي لأن المعارضات الحقيقية يمكن أن تفسد عليهم هذا المسعى.
لذلك فلا بد من فهم ما حصل في ثورة تونس سعيا لإنهائها قبل الوصول إلى أهدافها التي لا تختلف عما نرى الشباب المصري مصرا على عدم العودة إلى الحياة العادية قبل البلوغ إليه: فهم قد رفضوا الانقلابين اللذين حاولتهما نخب مصرالتقليدية تماما كما حصل في تونس رفضوهما رفضا قاطعا بأن لم يسمحوا لأي كان بأن يكون بديلا منهم والإصرار على تعيين من يمثلهم بانفسهم وكذلك من يشرف على المرحلة الانتقالية بشرط هم محددوها.
إن انقلاب النظام على رأسه للحفاظ على ذاته وانقلاب المعارضة التي تعايشت مع النظام على الثورة والمعارضات الأخرى لتقاسم بقية النظام مواصلة نفس النظام ومن ثم التخلص من الثورة ومطالبها الحقيقية الداخلية والخارجية: أعني تحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وإصلاح النظام السياسي والتربوي والاقتصادي والثقافي انطلاقا من رؤية الأمة المحددة لذاتيها المستقلة والحرة ومن ثم المشاركة في تحرير كل العرب والمسلمين من علل الضعف والتهميش في تحديد وجهة العالم الجديد في القرن الحادي والعشرين.
ذلك ما يمكن أن نعتبره الدرس الذي تعلمه شباب مصر من تجربة تونس فلم يقبل بأن يتواصل النظام السابق بحلف بين بقاياه وبعض المعارضين المتربصين بالكراسي والذين يعتبرون المرحلة الانتقالية فرصتهم لشراء وجود غير شرعي تماما كما كان يفعل الحزب الذي جاء الثورة لتخليص البلاد مما مكن له من مافيات استعبدت العباد واستولت على خيرات البلاد.
والسؤال الذي أوجهه لشباب تونس بخطاب مباشر اسمح لنفسي فيه أن أكون شديد الصراحة:
هل تقبلون أن تصبح ثورتكم مجرد مسودة لثورة تنجح عند غيركم فتكون تجربتكم تجربة فاشلة لأنكم استسلمتم للانقلابين اللذين يزينهما شهود الزور من النخب الفاسدة التي صارت تحدد ما ينبغي إصلاحه وكيف يكون الإصلاح بديلا منك ؟
ألا ترون أن التلازم بين الثورتين التونسية والمصرية يقتضي الاستفادة المتبادلة دون عقد بحيث إن استفادة ثورة مصر من ثورة تونس واعتراف شبابها بذلك يوجب على شباب تونس ألا يستحوا من الاستفادة من ثورة مصر فيعترفوا لهم بهذه الخطوة الثانية ويستأنفوا عملهم الثوري لإفشال الانقلابين وإنهاء الحلف الرباعي وتسريح شهود الزور مما استحوذوا عليه من مهام الثورة حتى تكون بين أيد أمينة من شباب الثورة ولا أحد غيرهم.