ومن ناحية أخرى، فتح رحيل رأس الاستبداد الباب أمام قطاعات واسعة من الجماهيرالعاملة للمطالبة بنيل حقوقهم المسلوبة وخروج رءوس الفساد من كل مؤسسة وهيئة وقطاع.
واليوم، يطرح الكثيرون أن الوقت الحالي ليس وقت الإضرابات والاعتصامات، لأنها
تؤثر سلبيًا على عجلة الاقتصاد، وأنه يجب التركيز الآن على القضايا الديمقراطية
وإعطاء الحكومة الجديدة فرصة للعمل على تلبية مطالب الفئات المختلفة.
ويتغافل هذا الطرح عددًا من الحقائق التي لا يمكن قراءة الوضع الراهن من دون وضعها في الاعتبار:
أولاً: إذا كان دخول العمال والموظفين معترك النضال قد ساعد بقوة في إجبار الديكتاتور على الاستسلام، فليس من الإنصاف أن ننكر عليهم الحق في التحرك الفوري دفاعًا عن مطالبهم، خاصة وأن تجارب الكثير من الدول تبين أن عدم الطرق على الحديد وهو ساخن يمكن أن يمثل عائقًا في وجه التغيبر الأشمل الذي تريده الغالبية الساحقة من الشعب، والذي يمكن اختصاره في توفير الحد الأدنى من حياة كريمة.
ثانيًا: إن الأوضاع التي تعيش فيها قطاعات واسعة من العمال والموظفين تتسم بدرجة من البؤس تجعل من غير المتصور مطالبة هؤلاء بالمزيد من الانتظار. فكيف لنا أن نطالب عاملاً مؤقتًا يعمل منذ 15 عامًا في إحدى الهيئات الحكومية، وراتبه الشامل لا يزيد على 300 جنيه شهريًا أن ينتظر.
ثالثًا: والأهم، إن تحقيق مطالب الثورة الديمقراطية نفسها لا يمكن أن يتم بدون دور فعال للطبقات العاملة. وهنا ينبغي إدراك أن الثورة إلى هذه اللحظة لم تحقق سوى هدفًا واحدًا ـ لا يمكن إنكار أهميته ـ وهو أسقاط شخص الديكتاتور. لكن
الأهداف الأخرى، المتمثلة في إلغاء قانون الطوارئ، وإتاحة حرية إنشاء الأحزاب السياسية والنقابات، وإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة، وإلغاء الدستور الحالي نهائيًا واستبداله بدستور جديد يكفل الحرية والمساواة بين الجميع، لم يتحقق أيٌ منها بعد. وفي نفس السياق، لا تزال رموز النظام تحتل مواقعها، حيث تم الإبقاء على معظم أعضاء الحكومة القديمة بالرغم مما هو معروف عنهم من فساد.
على الجانب الآخر، بدأت تظهر التباينات بين القوى التي كانت مشاركة في الثورة، حيث أصبح البعض منها يطالب بوقف التحركات الشعبية عند هذا الحد، على اعتبار أن المطالب الأخرى سوف تتحقق من تلقاء نفسها. ويتجاهل هذا الطرح حقيقة أن النظام القديم سوف يستميت من أجل البقاء ويبذل كل ما هو ممكن من أجل تقييد حدود التغيير إلى أبعد درجة، وهو ما أظهرته تجربة تونس بوضوح.
إذن فاستكمال مهام الثورة الديمقراطية لن يتحقق إلا بالمزيد من الضغط. هذا الضغط الذي لا يمكن أن يؤتي ثماره سوى بمشاركة واسعة من العمال والموظفين، أصحاب التأثير الأكبر على الحياة الاقتصادية، وأصحاب المصلحة الأكبر في استكمال تحقيق أهداف الثورة الديمقراطية ـ لأن ذلك سوف يعطيهم فرصة للدفاع عن مصالحهم لا تقارن بما هو متاح لهم الآن.
إذن فإن استمرار النضالات الحالية، وتوحيدها وتسييسها، هو الضمانة الأساسية لنجاح الثورة الديمقراطية في تحقيق مطالبها.
تيار التجديد الاشتراكي
> 15 فبراير 2011