Site-Logo
Site Navigation

ليبيا: انتفاضة شعبية من أجل ديموقراطية تحت رحمة الغرب؟

نعم لسلطة الشعب في بنغازي! لا للعقوبات الغربية! لا للتدخل العسكري!


28. February 2011
ويلي لانغتالر - المتحدث باسم المعسكر المناهض للإمبريالية

في معرض تأييدها للتحرك الديموقراطي في المنطقة العربية ذكرت الكاتبة الهندية أرندهاتي روي، أحد أساطين مثقفي مقاومة العولمة، أن المرء يكاد يعتريه الخوف إزاء دعم الإعلام الغربي. لقد وضع الحراك الشعبي المصري الأنظمة الغربية في موقف صعب جداً، حيث كان مبارك أحد أهم دكتاتورييهم على مستوى العالم وكانت المليارات من المساعدات العسكرية تتدفق سنويا نحو النيل حيث يحكم حامي إسرائيل العربي. وبالمقابل حوّلت واشنطن وطبقاً لمبدأ الليبراليين الجدد عمليات التعذيب نحو القاهرة. وأيضا في تونس أحرجت الانتفاضة الشعبية سادة العالم الذين يتبجحون بكونهم حماة الديموقراطية وأربكتهم، فالسلطة الاستعمارية السابقة كانت تبسط يد حمايتها على خادمها الجلاد بن علي.


غير أن العالم يبدو “على ما يرام” فيما يتعلق بليبيا، فالإعلام الغوغائي يصخب هنا على هدي النموذج المصون: صدام- ميلوسفيتش- أحمدي نجاد، وهنا لا تنفع القذافي الصفقات الباهرة التي يعقدها الغرب معه منذ سنوات في مقابل أن تسلمه أوروبا أعناق المهاجرين الأفارقة الفقراء، ودعمه السياسة الاستعمارية الفرنسية في تشاد، فقد ظل قائد الثورة العجوز يجهد في تمثيل دور المناهض للامبريالية أمام شعبه والعالم العربي، وكلما أمعن في التهريج زاد لغواً، وهذا المناهض الباهت للامبريالية على وجه التحديد هو الذي يعاد نصبه على الجانب الاخر للبحر المتوسط وعن طيب خاطر كنموذج للشر. إنهم ينتقمون من القذافي القديم!

إن هذا العناق الغربي هو بالفعل أسوأ الأعباء التي يمكن أن تقع على كاهل الحركة الديموقراطية، فإذا أرادت أن تظل ديموقراطية فإن عليها رفض الدعم الغربي فورا، وإلا أمكن للقذافي اكتساب الشرعية ثانية. وعلى الذين يريدون فعلاً دعم الحركة الشعبية في ليبيا اتخاذ موقف صارم ضد التدخل الغربي، أي ضد العقوبات (يستذكر المرء الإبادة الجماعية المتسللة تحت برقع الديموقراطية في العراق والحالية في غزة)، وبطبيعة الحال رفض ومحاربة التدخل العسكري.

غير أن من الخطأ الافتراض أن الدعم الإعلامي الغربي يفضي آلياً إلى تحرك موالٍ للغرب، فرغم أن من الطبيعي وجود قوى لا في ليبيا وحسب، وإنما ايضا في مصر وتونس ً، ترى خلاصها في الغرب، غير أن الطبقات الوسطى والدنيا ضمن الجماهير العريضة هي التي تتمرد اليوم رابطة المطالب الديموقراطية بالاجتماعية وبمناهضة الإامبريالية.
وعلى ما يبدو فإن الأمر كذلك في ليبيا، فمع أن معدل مستوى المعيشة هناك أعلى بكثير مما هو عليه في دول المغرب الأخرى، فإن عائدات النفط لا توزع بعدالة، والسلطة السياسية محتكرة كما في هي في ممالك وسلطنات الخليج، ومقاومة ذلك مشروعة بنفس القدر حتى لو كان المتظاهرون لا يسحقهم الجوع بنفس الدرجة كما هو الحال في مصر.

لكن هناك فرق حاسم، فإن جزء على الأقل من الجيش يريد التمسك بالقذافي كما يبدو، ودون تقارير مفيدة من موقع الحدث لا يبقى أمامنا سوى التخمين، وذلك أن هذا العامل يعود من جهة إلى توزيع أوسع لعائدات النفط، ومن جهة أخرى إلى أهمية الولاء القبلي في ليبيا. وبهذا من الممكن تماماً أن ينقسم الجيش في ليبيا وأن يقود الخلاف إلى حرب أهلية.
الإمكانية الأخرى هي تشكّل قوة معارضة قد تشكلت في بنغازي ثانية مدن البلاد غير مستندة إلى إعادة إنتاج السلطة العسكرية (أي بخلاف البلدين المجاورين)، قد تكون حركة جذرية جديدة مع الاعتراف بالصعوبة الهائلة في انعدام المعارضة المنظمة الواضحة الكفيلة بملء الفراغ. هذا يعني ان هناك فرصة لنشوء سلطة شعبية، وهذه التجربة جديرة بالحماية وبالدعم بكل تأكيد.

إن الثرثرة حول تدخل عسكري يقتصر حالياً على جنرالات الإعلام المتعددين، حيث يظن المرء أن بوسعه تحويل لوحة مفاتيحه إلى أسراب أطباق ديموقراطية طائرة، على أن الأوليغارشية الرأسمالية التي تحكم الغرب لن تقدم على أي عمل قبل أن تدرس بدقة أية قوى ستدعم، ولن تتردد في العمل على إغراق سلطة شعبية ممكنة في بنغازي في دماء الحرب الأهلية.

إن هذا الابتهاج الإعلامي الغربي قصير النظر وفي غير محله على الإطلاق، بل أنه خداع للنفس، فهم يودون رؤية ثورات ملونة كالتي جرى إخراجها في أوروبا الشرقية، غير أن العالم العربي ضحية لقرن ونصف من أشد أشكال الاستعمار (الجديد) وحشية، وللعدوان الإسرائيلي المتواصل، والحروب الأمريكية المختلفة، ونهب الليبراليين الجدد بضمانة أمراء النفط الموالين للغرب، الذين يتباهون أمام الجماهير الجائعة بأرض ديزني عربية… هنا لا تكفي حفنة من اليساريين الليبراليين الصارخين بالديموقراطية وقد اشتد سعارهم لكي تعكس اتجاه الحقد المشروع الذي تكنه الجماهير للغرب، والذي يغور عميقاً في القلوب ..جيلاً إثر جيل.

.
في الشرق الأوسط تعني الديموقراطية مناهضة الإمبريالية، وسرعان ما يتجاوز الواقع الاستعماري حلم التغيير السلمي أو الناعم لأن الجماهير تطالب بحقوق اجتماعية وسيادة وطنية وهذا يضعها في مواجهة المصالح الصهيونية والغربية، وهنا ينتهي المزاح حتى في أوساط الطوباويين الغربيين ويعود العرب في لحظة بدائيين وبشراً دونيين غير جديرين بغير السوط، كما كانوا يرون المسلمين قبل اسابيع قليلة فقط، أما الكيان الصهيوني فليس من المصادفة أن يحمل الراية، فالديموقراطية بنظرهم تصلح فقط للسادة البيض. إنهم يطبلون لأنفسهم كديموقراطية وحيدة في الشرق الأوسط، ويصرون على البقاء كذلك بأي ثمن.

إذن فإن معانقة الغرب للثورة الديموقراطية محكوم بالفشل.

ويلي لانغتالر
24. 2. 2011

ترجمة قيس عبد الله

Topic
Archive