ولكن، ما معنى أن يمر الشعب باربع سنوات من انقسام مُر ودموي أدى إلى تسميم عناصر التنظيمين ضد بعضهما، وإلى إحباط الشعب نضالياً؟ والأهم هو: هل اختلف الطرفان على إقطاعيات خاصة بهما بعيداً عن المجتمع والأرض المحتلة؟ إذا كان الخلاف هكذا، فمع السلامة. وإن كان الاختلاف على من يتسلم سلطة الحكم في أوسلو-ستان، وإذا كان الخلاف تنافساً على قيادة الناس، فالطرفين مطالبين بتقديم:
· توضيح للشعب على ماذا اقتتلا؟
· وعلى ماذا وتحت اية ظروف تصالحا فجاة وبسرعة الضوء؟
· وأن يقدما اعتذاراً للشعب عمَّا جرى. فمن انتفضوا أمس يجب أن يكونوا برؤية حاملي رؤية تشترط المسائلة والمحاسبة ومناهضة التطبيع والإصرار على المقاطعة وتتضمن استشرافاً لما يجب أن يكون. فاندفاعة الصدر جميلة، ولكن يجب أن تكون مضاءةً.
لا يمكن التأسيس لمرحلة جديدة دون قراءة نقدية للسابقة. وإذا كان الشعب سيُمرِّر جريمة الاقتتال والصراع غير المبررين دون مسائلة ومحاسبة واحتجاج، فهو مجتمع غير مدني ويسير في طريق مظلم.
بالأمس كانت بوادر انتفاضة لم تنحصر في الأرض المحتلة هذه المرة، بل عمَّت حدود دول الطوق، ولكنها بداية انتفاضة شعبية من دول الطوق وليست انتفاضة رسمية من حكومات دول الطوق. وهذا يبشِّر بالعودة الأولى، عودة البعد العربي. ما أجمل أن تنشغل انظمة الطوق في صراع مع الشعب العربي في محاولاتها الحفاظ على حدود الدولة العبرية الكيان الذي لا يعتبر أن له حدوداً. هنا تعود مركزية القضية من جديد.
أمس، كان هناك نشاطان في رام الله، واحد احتفالي في وسط المدينة خطابي إلى عنان السماء (قاتل الله مكبرات الصوت، فهي مُصغِّرا للعمل). احتفال ربما لم يعبر عن حق العودة بمقدار ما عبر عن تصالح فتح وحماس. وكان هناك نشاطاً اصغر ولكنه أفعل وأجدى على معبر قلنديا لمواجهة جنود الاحتلال. وكان ذلك النشاط بقيادة الجيل الشاب صبايا وشباب معاً، يتقدموننا ونحن نسير ورائهم.
ولكن، بالأمس ايضاً اعلنت فصائل منظمة التحرير على لسان السيد أبو واصل أنها أجمعت على اختيار السيد سلام فياض مجدداً لرئاسة الوزراء في عصر “التصالح”!
ما السبب؟
هل هو الأفضل أم لأن مقتضيات التمويل تشترط ذلك؟
لا شك أن السيد فياض قلق جداً إذا ما اتسعت التحركات الحالية إلى انتفاضة فإن مجمل مشروعه اللبرالي الجديد سوف ينهار. من نتائج اتساع الانتفاضة ستتوقف الناس عن دفع اقساط الديون التي أغرقت بها المرحلة الفياضية معظم المجتمع بين قروض للسيارات الفارهة والتعيسة، وقروض للمنازل وقروض للزواج وقروض للعمل التجاري ناهيك عن سلطة مغرقة بالديون ستصبح جنة رام الله نسخة لمأزق غزة، وهذا بالطبع يعني أن فقاعة اللبرالية الجديدة في اوسلو-ستان سوف تنتهي إلى كارثة. لِمَ لا، الم تنفجر فقاعة إمبراطورية الدم/الولايات المتحدة، فما بالك بفقاعة ليس سوى قَزماً؟
هل لهذا سارع رئيس سلطة الحكم الذاتي بإعلان فياض مرشحه لوزارة الحكم الذاتي وتبعته بقية الفصائل لإنقاذ اوسلو وليس الشعب فما بالك بالوطن؟ وهل لهذا قرر الاحتلال صباح 16 ايار تسييل المقتطعات الضريبية التي احتجزها بعد المصالحة. وهل أوباما وشركاه بعيدون عن هذه القرارات؟ كلا.
ولكن، هذا الاحتلال بما هو غريب عن المنطقة ومزروع فيها لن يتعدى أفقه الاستشراقي ومدخله الأنثروبولوجي في تحليل مجتمعنا، لذا لن يفهمنا والحمد لله. فالذين خرجوا لحق العودة على الحدود وعلى الحواجز ليسوا من موظفي/ات الحكم الذاتي، وإن تسلل مع فريق الحواجز بعض نساء ورجال الأنجزة[1] لشطف النفس. فتسييل الأموال لن يطفىء الحراك الشبابي، وإن كان يطفىء عشق الأنجزة للمال، وهذه على اية حال مضمونة التسييل، بل تسيل على غيرها.
ودون إطالة، يبقى السؤال ما هو الشعار المطلوب بعد ان أخرجت الأرض حَمْلها الطيب، فانتفض الناس من الداخل وعلى الحدود ليكسروا الطوق الرسمي الذي كان يحمي الاحتلال؟ وهذه خطوة لكسر الطوق الذي يشكِّله بعض جيل الانتفاضة الأولى على الجيل الجديد اليوم؟ كيف لا، من الذي يشكل اليوم كادر أجهزة أفق وقمع في سلطة الحكم الذاتي ؟ اليس جيل الانتفاضة الأولى؟ كيف يمكن منع تضييع جيل اليوم وهو على أعتاب انتفاضة جديدة أو على الأقل حراك وطني جذري؟ كيف يمكن منع تجديد طبعة أوسلو الأولى بطبعة جديدة؟
ربما في تحرك الجيل الشاب أول الجواب: فهو تحرك يؤكد للعالم هذه المرة، أن تراث التسوية الذي بدا رسمياً مع هزيمة 1967 قد اندثر ليتضح للعالم أن الصراع على المحتل 1948. كان مُتعباً جداً أن تشرح لأي متضامن أممي ان المحتل 1948 هي أرضنا. ولذا، فهذا الحراك هو ضربة تحت الحزام لمشروع دولة اوسلو وما رافقها من رطانة هدفت إلى تقويض حق العدوة.
أما بقية الجواب، فأمران:
أن يكون شعار المرحلة باختصار ووضوح: المقاومة الحقيقية
وأن يتم الحذر والحماية للوطن والشعب من الذين سيحاولون، بل يحاولون استثمار الطلوع الجديد للفجر الفلسطيني وحتى العربي يحاولون، استثمارها من أجل تسوية جديدة. لقد تمكن أهل “الفاكس” Fax machine بعد اسبوعين من اشتعال الانتفاضة الأولى من بدء استثمارها سياسياً، فكان الحمل مُعاقاً، هو اوسلو-ستان. فهل نستخدم الفيس بوك والتويتر للحيلولة دون استثمار الحراك اليوم؟ نعم، ولكن لا يكفي. فالمطلوب هو الفيس تُ فيس، face to face، وجها لوجه، تواصل الناس مع بعضها من أجل الكثير ومنها توفير الرؤية لما يجب عمله، لأن المواجهة والتواصل تحولان دون امتطاء اللحظة الجديدة من اصحاب المال سواء مال الدول المانحة العلني أو مال هذه الدول المتسلِّل عبر قنوات الأنجزة.
——————————————————————————–
[1] كان طريفاً أن ترى بين المحتجين على الحواجز نفس الذي دعى القاتل دانييل برينباوم ليعزف في غزة في يوم المصالحة! وبرينباوم هو الذي عزف دعماً لمذبحة غزة 2008-2009. إذن ما زال المشهد مختلطاً، مثلاً هل أرغم هذا الرجل هو والأنروا أمن غزة على إدخال برينباوم ليعزف على دماء الشهداء والجرحى ؟.المصدر: نشرة كنعان الألكترونية، 18 أيار 2011