منذ اشهر والشعب السوري يكافح من أجل الديموقراطية، وإذ يثبت نظام الأسد يوماً بعد يوم عدم أهليته للاصلاح، وعدم قدرته على الرد بغير العنف على المطالب المشروعة ، فإن الحراك يتطور باطراد نحو ثورة ستكلف على ما يبدو ضريبة دم باهظة.
ثورة ضد الليبرالية الجديدة
في أوروبا، وكذلك في أوساط سوريي المهجر، يكاد يقتصر الحديث على الديموقراطية- غير أن ذلك خطير، فقد تحولت الديموقراطية في السنوات الخيرة إلى بضاعة تصدير رائجة للاستعمار الجديد (وأمامنا العراق وأفغانستان)، فالديمقراطية بمفهومها الغربي وبدون توضيح أكثر تعني بهذه الدرجة أو تلك التسلط المنسق لحكم الأقلية الغربي، التي تقصي جموع الشعب سياسياً واجتماعياً في نهاية الأمر.
في سوريا، كما في مجمل التحرك العربي يتعلق الأمر بحركة اجتماعية ضد النخب الراسمالية المستفيدة من الاستبداد ، والمرتبطة معه عادة بصلات القرابة والنسب (كالملياردير وقريب الأسد رامي مخلوف)، وهذا العامل الاجتماعي في الحراك الجماهيري الذي تشدد عليه القوى الثورية في مواقع الأحداث هو الحاسم، فالديموقراطية بالنسبة للجماهير العريضة لا يمكن أن توجد إلا مرتبطة بالعدالة الاجتماعية والاستقلال الاجتماعي والاقتصادي عن الغرب.
ضد النظام الإقليمي
على العكس من أغلب سلطات الاستبداد العربية الموالية للغرب استمدّ نظام الأسد (ولا يزال إلى نحو ماً) في جزءا من شرعيته على ما يمثله من مقاومة أو ممانعة تجاه النظام الأمريكي – الاسرائيلي، وهو فعلاً يدعم حزب الله اللبناني الذي يتصدى لإسرائيل، وهو يؤوي المقاومة الفلسطينية، ويشكل محوراً مع طهران التي تتحدى هيمنة الولايات المتحدة.
غير أن هذه المقاومة نسبية وآنيّة، فحين اشتد ساعد الثورة اللبنانية بالتحالف مع الفلسطينيين تدخل الأسد عسكرياً لصالح اليمين اللبناني، وقد قايض النظام السيطرة اللاحقة على لبنان بدعم حرب الولايات المتحدة وحصارها ضد العراق، ثم أنه رغم عدم وجود اتفاقية سلام مع إسرائيل بسبب رفض الصهاينة الانسحاب من الجولان، فإن الحديث عن مقاومة فعالة غير وارد. غير أن الأهم هو دفاع الأسد عن الترتيب الإقليمي الأمريكي حماية لنفسه وضد الحركة الديموقراطية الجماهيرية في المنطقة نحو الانعتاق والتحرر. إن نصرا تحققه الثورة السورية قد يشكّل ضربة جديدة للنظام الأقليمي الأمريكي وزخماً هائلاً للاندفاع الشعبي، غير أن هذه النتيجة غير مضمونة، فإذا لم تتسلح القوى الثورية باليقظة والحذر، فإن إسقاط النظام يمكن أن يقود ايضاً إلى ترتيب جديد يعيد إنتاج الهيمنة الغربية.
ثنائية العلمانية والطائفية
يقدم الأسد نفسه على أنه الضامن لعلمانية الدولة، لكن الواقع هو تماهي السلطتين السياسية والاقتصادية مع الطائفة العلوية قد صب الزيت على نار التوتر الطائفي، فهذا النظام، شأنه شأن زميليه في مصر وتونس، إضافة للغرب، يحاول أن يصور الإسلام السياسي السني على أنه الشيطان، وبالطبع فإن المجموعات السلفية الرجعية موجودة في سورية كما في أي مكان آخر من العالم الإسلامي، إلا أنها لا تشكل الأغلبية في الحراك.
إن التحركات الجماهيرية من أجل الديموقراطية قد أحدثت انعكاساً في الاتجاه، فالجماهير لم تعد بحاجة للاسلام السياسي من أجل رفع صوتها في وجه الهيمنة الغربية، وبقدر ما تشعر بانتمائها الإسلامي، فإنها تطالب بالديموقراطية أولاً، وليس الأمر مختلفاً في سورية، أما على الطرف الآخر، فقد فهمت واشنطن أن احتواء الثورات ممكن فقط بالتعاون مع جزء (على الأقل) من حركة الأخوان المسلمين، فسرعان يتحول “الشرير” إلى “خيّر”ً حيث تقتضي المصالح السياسية.
وإلى جانب النظام نفسه، فإن من يدفع للصراع نحو صراع طائفي هي القوى الموالية للغرب، وعلى الخصوص الإسلاميون المرتبطون بالمملكة السعودية، وعليه فإن الضمان الوحيد لوحدة الطوائف المختلفة هو الحركة الديموقراطية ذاتها، وهذا ما أكدت عليه مراراً كل مكوناتها من اليساريين والقوميين ووصولا إلى القوى الإسلامية.
ضد التدخل العسكري والعقوبات
لا تأتي الثورات مجاناً، وهي تتطلب التضحية، وهذه لا يمكن أن تقليلها عبر تدخل الغرب، بل على العكس، فإن أسوأ ما يمكن أن يحل بالحراك السوري هو جني ثمار تضحياته عن طريق تدخل عسكري غربي أو تركي (موجّه من الغرب)، لذلك ينبغي عدم السماح بتكرار المأساة الليبية حيث تشحذ الشركات الغربية سكاكينها مقدماً، وحيث لا تعني الديموقراطية غير الحق في الاستغلال (يبدو أن قنابل الناتو في ليبيا ستأتي إلى السلطة بإسلاميي نفط على النمط الخليجي).
لذلك تسير المطالبة بالعقوبات في ذات النهج الخاطئ إذ تحثّ الحكومات الغربية على التدخل، وهذه من دواعي سرورها أن تحصل من ممثلي حركة ديموقراطية على صك على بياض للتدخل، إذ ما النتيجة المنطقية لعقوبات غير فعالة؟ إنها الوسائل العسكرية، وماذا سواها؟
إن الثورة لا تكون جديرة بالتسمية إلا حين توصل جماهير الشعب إلى مزيد من الحرية والعدالة الاجتماعية وتمثلها في شكل جديد للسلطة، وليس بالاستنجاد بالأسياد الاستعماريين القدماء الذين تسبّبوا أصلا بكل هذا البؤس.
إن على الثورة أن تحقق استقلالاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً عن الغرب أكبر مما حققه نظام الأسد وليس أقل، وبعكس ذلك تصير ثورة مضادة باسم الديموقراطية.
يسقط النظام الأمريكي-الصهيوني في المنطقة!
الديموقراطية إما أن تكون هي سلطة الشعب.. أو لا تكون!
المعسكر المناهض للامبريالية
فيينا، 7 أيلول (سبتمبر) 2011