سيدتي/سيدي القارىء، لا اخفيك، حين اكتب كعروبي فلسطيني يعيش في الأرض المحتلة حرصاً على الصومال والعراق سوريا وليبيا ومصر واليمن، اشعر بالحرج لأن ما يجري في الوطن المغتصب وتقريباً المباع، يحتاج وربما يشترط أن لا نكتب عن غيره. فالتطبيع يسري في دماء فيالق وفيالق، وها هو يخترق الشباب.
ولكن حين نكتب عن التطبيع والمطبعين والصهينة[1]، لا نسلم ممن يطبعون بل يفتخرون بالتطبيع لأننا نقصف حصونهم وهي قوية كقوة طائرات الناتو ضد الجيش الليبي. إلا أن الحق حق حتى لو بلا سلاح، فهو بضمير وهذا يكفي.
شاهد هذا الحديث: حولت لي صديقة دعوة من الحراك الشبابي المستقل تدعو الشرفاء في هذه الأرض المحتلة للاحتجاج على النشاط التالي:
رفضاً لمؤتمر الشباب الفلسطيني الذي تنظمه مؤسسة “شارك الشبابي” بالشراكة مع مؤسسة CHF بتمويل من وكالة التنمية الأمريكية USAID، والذي سيعقد في قاعة منتزه البيرة يوم السبت القادم الموافق العاشر من أيلول2011، بتمام الساعة العاشرة، ” تحت عنوان مشاركة الشباب في هيئات الحكم المحلي: شباب مشارك في القرار، شباب يصنع التغيير مشاركتنا ليست منحة، مشاركتنا واقع نبنيه بمبادراتنا وطاقاتنا”
حين يُصاب شباب بالعَشى، لا تعد هناك فرصة لرؤية المستقبل حتى ولو بالنظارات الليلية التي قدمتها النرويج لجيش الاحتلال الأميركي للعراق كي يرى جيدا النساء والأطفال ويستهدفهم لمتعة القتل الإمبريالي الأبيض! وحين يصبح شباب مجرد ضحايا لسياسات الولايات المتحدة لا بد من السؤال: لماذا كل هذا التطبيع.
هل سأل الشباب انفسهم هل العلاقة اية علاقة مع الولايات المتحدة كدولة ومؤسسات هي تطبيع، وليس التطبيع هو فقط مع الكيان الصهيوني؟ والأمر نفسه فيما يخص مختلف المؤسسات المرتبطة بالدول الغربية التي تعادي الشعب الفلسطيني والتي اقامت الكيان وترعاه.
سؤال في المنشأ والتربية
يبدو أن هناك خلل في المناخ التربوي لدي كثيرين منا. هناك شباب لا شك تربوا في اسر تعتبر الاحتلال صديقاً وترى أن مناطق 1948 هي مناطق يهودية جرى تحريرها من العرب كأوغاد ومحتلين. ما مصير شاب يعيش في هكذا مناخ؟
وهناك اسر تتشبه بالحياة الأميركية عبر المسلسلات التي تعرض الغيد الأماليد، ولا تعرض حرب فيتنام. وتعرض حقائب الدولارات ولا تعرض إبادة مليون ننصف عراقي، وتعرض قانون الحرية الدينية في أميركا ولا تعرض احتلال مكة المكرمة. كيف سيكون الشاب المتربي في هكذا مناخ.
وهناك اسر شارك أربابها من الجنسين في “الحوارات الأكاديمية مع الكيان” وفي مفاوضات مدريد وأوسلو والتنسيقات الأمنية، فكيف سيكون الأبناء ضد التطبيع؟
وهناك شباب تربوا في اسر اربابها مثقفون يدافعون عن التطبيع بحرارة بالغة وبمزايدات فارغة، ويزعمون أن التطبيع الثقافي هو “تحرير لليهود من عنصريتهم”! أو شرحاً لليهود في ما لم يفهمونه! أو تقديراً ليهود فهموا الحقيقة.
هذا وكأن هؤلاء بحاجة للمحليين كي يشرحوا لهم القضية! اي يهودي مستوطن في فلسطين لم يفهم بعد، فهو يفهم جيداً دون بلاغتكم واستقوائكم بالضعف. واليهودي الذي فهم الحقيقة كما تزعمون، عليه أن يبقى هناك ويناضل هناك إن كان يؤمن بأي نضال!
على اية هيئة سيكون دماغ شاب يسمع ويقرأ لأبيه وجاره بأن التطبيع مع الكيان هو شرف نضالي وحالة إنسانية، هذا دون ان نذكر أسماء المؤسسات التطبيعية.
لم يقل الأب للإبنة والإبن أن فلسطين ارض محتلة. لم يقل الأب لأولاده من اين تتمول كافة المؤسسات التطبيعية؟
· هل تتمول من أموال الزكاة؟
· هل تتمول من الجمعيات الخيرية المحلية؟
· هل تتمول من مساهمات منظمات الكفاح المسلح؟
· هل تتمول من تبرعات طلبة المدارس؟
· هل تتمول من مصاغ النساء مثلا كما كن يتبرعن لثورة الجزائر؟
بكلمة أخرى: قل لي من اين تتمول اقول لك من أنت؟
حين يكبر الشاب أو الفتاة في اسرة تعتبر الاعراف بالكيان “شرفا سياسياً وفكرياً” وتدفع الإبنة للعمل في مؤسسات ثقافية غربية معادية مبررين ذلك بالحاجة للمال (طبعاً حاجة السرة الشرهة استهلاكيا)، كيف لا تكون هذه معادية وكارهة للقومية العربية ولفلسطين ومتمتعة باحتلال ليبيا ومتشوقة لسقوط سوريا!
ما الذي سيمنعها عن كل معاصي التطبيع؟
حين ينشا الشاب في اسرة عاش الأب فيها سنوات من عمره في الكيبوتسات اي على اشلاء القرى الفلسطينية المهدمة، لماذا لا يكون صهيونياً إذن؟ وما ذنبه؟
سؤال في العمل
حين ينشا الشاب في اسرة يعمل الزوج أو الزوجة أو كليهما في المؤسسات الصهيونية مباشرة: مثلا حين يقضي الأب ردحا من الزمن في “دار الإذاعة الإسرائيلية” وفي حرب 1967 ينادي أهل الضفة والقطاع لرفع الأعلام البيضاء، وحين يجد الشاب أن والده ينادي بالتطبيع علانية، ما ذنب هذا الشاب إذا كان تطبيعياً؟
حين يعمل الأب أو الأم في المؤسسات الثقافية الغربية سواء يو اس إيد، أو سي آي إيه، أو المجلس الثقافي البريطاني او الفرنسي أو غيرها، كيف سيتردد عن التطبيع؟
حين يرى الطفل اباه و /أو أمه يحرصان على حضور كافة دعوات الاستقبال في القنصليات الغربية التي تُمطر أنظمتها العراق وليبيا والصومال وفيتنام وافغانستان وصربيا بالصواريخ، فهل سيكون ضد التطبيع؟
هل لك أن تتخيل حوارا بين الأب الذي عمل في هذه المؤسسات الغربية العدوة وبين ابنته، حوار عن لماذا يعمل هناك؟ ربما للحاجة؟ ولكن كيف كان يطيق عنجهيتهم ودعمهم للكيان الصهيوني وتحقيرهم للعرب؟
سؤال في المهام؟
لماذا تهتم مؤسسات الولايات المتحدة بالشباب وليس بامهات الشهداء، واراملهم وأسر المعتلقين؟
لماذا لم تهتم الولايات المتحدة بمنع الكيان من إقامة الجدار؟
هل يعلم هؤلاء الشباب ان كلمة فلسطين قد سُرقت واحتُلَت وصارت تعني الضفة والقطاع وذلك اساساً بشغل الولايات المتحدة؟
لماذا تتقدم الولايات المتحدة التي تمول “شارك” تتقدم كل عام إلى الأمم المتحدة لشطب حق العودة وكافة قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعودة أو التعويض؟
ألا يعرف شباب “شارك” هذا! فكيف يطيقون من حيث الشعور الإنسانس والوطني والشخصي الجلوس هنا والتموُّل؟ وحتى لو حاول هؤلاء الشباب حصر اهتمامهم بالحكم المحلي، ليكن. ألا يمكن فعل ذلك دون تمويل أجنبي[2].
هل طالب شباب “شارك” الولايات المتحدة بوقف هجمتها على حق العودة؟
هل يسال هؤلاء الشباب أهلهم عن هذا؟
هل يسألوا الممول الأميركي؟
هل يسألوا من دعاهم إلى مؤسسة “شارك” أسئلة كهذه؟
لو تقدم قادة مؤسسة شارك إلى الممول الأميركي بطلب تمويل “مخيم التثقيف بحق العودة” هل سيمولهم؟ او بطلب: تفكيك فزاعة /أكذوبة “الأمن الصهيوني”، او بطلب تفكيك زيف أسطورة متسادا؟ أو قراءة كتاب فاضل الربيعي “فلسطين المتخيلة” حيث يثبت أن لا دولة كانت لليهود في فلسطين، أو مثلا تمويل طباعة كتاب الراحل حديثاً كمال الصليبي “التوارة نزلت في جزير العرب”. هل يجرؤ الشباب على مثل هذه الأسئلة؟
وإذا كانوا يعرفون أنها مستحيلة، فلماذا يذهبون إلى هناك. أليس هذا استدخالاً للهزيمة؟ يا حرام! حين يستدخل الشباب الهزيمة، ماذا يبقى لكم؟
وعودة إلى الإسم: شارك؟ على ضوء هذه الأمور وغيرها، شارك إذن في ماذا؟
يفتح هذا السؤال على العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر، بين من يدفع المال ومن يتلقى كقطب سالب ومستلب ومسلوب! هذا المستلب لا يجرؤ حتى على التفكير لأنه مر بمراحل ومناخات ومحطات خطيرة لا وعي ولا يد ولا رأي له فيها مثلاً:
· اسرة تعيش من التطبيع والعمل او العلاقة أو المصلحة مع المؤسسات الأجنبية أو الصهيونية.
· مدرسة تفتقر للمعلمين الحريصين على التربية الوطنية والقومية والجذرية، فما بالك بالاشتراكية وعلم اجتماع الطبقات.
· اب أو ام موظف في مؤسسات أوسلو يعتاش من مقالات تتفاخر بالتطبيع وتمدح مؤسسات التطبيع وتدعو العرب للتطبيع، ويفتخر.
· واقع سياسي أوسلوي يعتبر حقوق الفلسطينيين هي الضفة والقطاع، وبذا يشطب حق وراي الأكثرية الساحقة من الشعب الفلسطيني ويزعم الديمقراطية واللبرالية والحداثة…الخ.
· أب يدعو الموسيقار الصهيوني برينباوم ويمنحه القصر الثقافي في رام الله رغم أن بيرنباوم ايد مذبحة غزة ويقول الأب أنه يساري، ويدعمه بعض اليسار!
· أب حاز على شهادة عالية من ابحاث أخبارية لدولة غربية عو دول الممانعة وقوى المقاومة؟
بقي ان نقول، إن هؤلاء الشباب ضحايا، وبوسعهم الوقوف على أقدامهم ثانية. وبوسعهم المناقشة والتحدث والتحدي للأسرة والمدرِّس، والمثقف المطبِّع وللأميركي البريطاني الأبيض ونصف الأبيض. طالما هم شباب، فالقطار رهن عزيمتهم، لم يفتهم، كما فات من حقنوهم بالتطبيع.
إسألوا الحكيم وناجي العلي وغسان كنفاني وكمال ناصر وجمال عبد الناصر وتشي جيفارا، وجول جمال، وصدام حسين…هل عاشوا في أسر اختارت لهم الطريق الصعب؟ ربما لا، ولكنهم فعلوا. والسؤال: هل مات هؤلاء؟ أم هناك ملايين الموتى وهم أحياء، هم موتى فلا تدعوهم يميتونكم!.