لا تزال الرواية عن بدايات الانتفاضة في بنغازي أوّليّة، تنقصها التفاصيل، وتتخلّلها الرومانسية والمبالغة اللتان تعتريان اللحظات الثوريّة، غير أنّ السّرديّة العامّة لما حصل في المدينة من أحداث، وما تبعها من سيطرة للثوّار على بنغازي، وعلى حاميتها اتّضحت في خطوطها العريضة.
بدأت القصّة كلّها بتظاهرة ضمّت مئات البنغازيين لا أكثر، يطالبون بالإفراج عن ناشط حقوقيّ سأل الحكومة أن تكشف مصير الإسلاميين ممّن قتلتهم في سجونها، فأحرجها، فألقت به في السجن. قوى الأمن في بنغازي تعاملت مع المتظاهرين ـــــ على قلّتهم وسلميّتهم ـــــ بقسوة. ضُرب المحتجّون وأهينوا، وأُصيب منهم الكثير. ردّ الفعل فاجأ الجميع، وأوّلهم النّظام الليبي: كأنّما فظاظة الأمن مع الناس قد أيقظت في دواخلهم لقاحيّة قديمة، لا تستكين على ضيم ولا تركع للملوك. أو أنّ عصي رجال الأمن سقطت هذه المرّة على أجساد جيل يختلف عن سابقه، لم يُهزم ويُحبط بعد، حتّى يقبل مقايضة كرامته وإنسانيّته بحياة بائسة ملؤها الخوف. هاج أهل بنغازي، وخرجوا بالآلاف هذه المرّة دعماً لرفاقهم وأقاربهم، هاتفين ضد من أذاهم. وقد اتّسع مدى الشعارات وازدادت حدّتها. هنا، ارتكب الأمن خطيئته المميتة، أطلق النار على المتظاهرين وسقط قتلى، فتلاشى الحاجز الأخير، وجنّ جنون النّاس.
سيطر المتظاهرون، وقد صاروا ثوّاراً، على المدينة بسرعة. سقط منهم العشرات ولم يرفّ لهم جفن، كان السلاح قليلاً في البداية، فواجهوا العسكر متسلّحين بالعصي والكثرة وشجاعة وصلت الى حدّ الجّنون، حتّى أمسكوا بشوارع المدينة. من اعتُبروا مسؤولين عن قتل المتظاهرين أُعدموا على الفور، وخُيّرت القوة الأمنية المحلّيّة في الانضمام الى الثّورة، ووافق أغلبها ـــــ والّذين رفضوا لم يعودوا بيننا اليوم.
في اليوم التّالي مباشرة، اتّجه الثوار الى مقرّ الحامية العسكرية لبنغازي في قاعدة الفضيل بوعمر. فهم الثّوّار أنّ حركتهم لا معنى لها إن لم يسيطروا على مقرّ الكتيبة الّتي يمكن أن تقتحم المدينة في ساعات، والثّوّار لا يملكون بعد سلاحاً أو تنظيماً لردّ حملة من ذلك النّوع. في اليوم الأوّل، حاصر المتظاهرون القاعدة، مطالبين قادتها بالانضمام إليهم. جاءهم الرّدّ بالرّصاص، فهاجموا الأسوار بالآلاف محاولين اقتحامها.
لا أحد يمكنه أن يعطي تفسيراً عقلانيّاً لقيام شاب ما بالاندفاع أعزل، أو متسلّحاً بحجر، في وجه مدفع رشّاش، يرمي أربعين طلقةً في الثانية، لكنّ ذلك بالضبط ما فعله آلاف الليبيّين في بنغازي، وقد سقط منهم العشرات، والبعض يقول مئات، على أبواب قاعدة الفضيل في تلك الليلة الأولى.
حتّى في الجيوش المحترفة، تظلّ مسألة «الموجة الأولى» معضلة تاريخيّة واجهها كلّ تنظيم عسكري منذ بدء الخليقة. في بنغازي، اختار آلاف الشّبّان المدنيين، طوعاً، مواجهة رصاص الجيش بصدورهم العارية ــ بالمعنى الحرفي للكلمة. سقطوا بالعشرات على مدخل الثكنة، ولم يتمكنوا حتى من اختراق محيطها. وفي اليوم التالي، جاؤوا بأعداد أكبر، وسلاح اكثر، بل تقول بعض الروايات إنّهم قدّموا «انتحاريين»، وأحضروا معهم شاحنات مفخخة فتحت ثغرةً في سور القاعدة. انتقلت المعركة الى داخل الثكنة، لكنّ النتيجة كانت ذاتها: سقط العشرات ولم تسقط الكتيبة. في اليوم الثالث من الهجوم، والخامس للانتفاضة، أعاد الثوار الكرّة وقد انضمّت اليهم وحدات عسكريّة منشقّة، فتمكّنوا من التّغلّب على المدافعين واقتحموا مقرّ الحامية، ما أمّن لهم تطهير منطقة بنغازي ومحيطها من سلطة النظام، فصار للثورة موطئ قدم. ما حصل في الزاوية ومصراتة فيما بعد، لا يقلّ بشيء عن معركة بنغازي، بل ويضاهيها.
مُفسد الثّورات
ثمّ جاء حلف شمال الأطلسي وأفسد كلّ شيء. لا ضرورة لأن نخدع أنفسنا ونتوهّم، الغرب تبنّى ليبيا واللعبة انتهت، والخطوات القادمة يمكن التنبّؤ بها بلا كثير عناء. لم تعد الثورة حراكاً بين ليبيين، بل استحالت، منذ دخل الناتو على الخط، مفاوضات بين المستعمرين والنخب المحلّيّة. انقلبت لهجة النخب المعارضة الليبية، منذ ظهرت طائرات الناتو في سماء بلادهم. اختفت الخطب الوجدانية ومناجاة الشعب الليبي، وقد فهم السياسيّون المعارضون ــ وجلّهم في المنفى ــ أنّ الطريق الى السلطة لم يعد في التعبير عن آمال الشعب، بل تجري اللعبة الآن في الكواليس ووزارات الخارجيّة، والهدف صار التّودّد الى الغرب حتّى «يعيّنك» قائداً.
صار أسلوب الغربيّين معروفاً، ويتكرّر في كلّ مكان: هم سيلعبون بوساخة ـ هم دائماً يلعبون بوساخة ــ سيختارون أجنحة معيّنة للحكم، ويُقصون تلك التي لا تعجبهم. سينسّقون التحالفات والدسائس، ستحصل اغتيالات، وستنشط استخباراتهم في كلّ مجال. كان بوسع النخبة المعارضة الليبية أن تطمئن الجميع مبكراً الى أنّها غيورة على سيادة ليبيا وقرار شعبها، وأنّها لا تنوي تقديم ليبيا إلى المستعمر بلا شروط، إلّا أنّ سلوكها كان واضحاً والرسالة لا يمكن تجاهلها: دعم غير مشروط لحكومات الغرب، وابتهالات لزعمائهم بلا أدنى نقد.
النتائج بدأت بالظّهور: يُصدر المجلس الانتقالي مشروعاً لإعادة تنظيم قطاع النّفط الليبي، ونظام القذّافي لم يُطرد بعد من طرابلس: أعلينا أن نصدّق أنّ الثّوّار، وهم في حمأة المعركة، كانوا مشغولين بإعداد مسوّدات ومشاريع اقتصاديّة؟ ومن يقرأ المشروع يفهم أنّ من كتبه لم يكن الّا شركات النّفط الغربيّة. يرفع مصطفى عبد الجليل يديه بين ساركوزي (الذي، على ما يبدو، كان يرتشي من القذّافي) وكاميرون من قلب طرابلس، احتفالاً بسقوط النّظام الذي خدمه عبد الجليل عقوداً. أيصدّق أحد أنّ عبد الجليل انسانيّ ديموقراطيّ، صار «صدفةً» وزيراً في نظام القذّافي؟ أتعلمون ما على المرء فعله ليصبح وزيراً في نظام بلد كليبيا؟ حتّى جيفري فيلتمان، الّذي أشرف على ادارة النّزاع الأهلي في لبنان، ثمّ على تدمير البلد في 2006، ظهر في طرابلس، وهو يبدو أقصر وأكثر سمنة، ليقدّم المؤتمرات الصحافيّة مجدّداً، وينظّر في مستقبل ليبيا.
حوّل الناتو انتفاضة الشعب الليبي من ثورة شعبيّة مفتوحة على كلّ الاحتمالات الى مشروع آخر من مشاريع «بناء الأمم» الّتي تخوضها الدّول الغربيّة، بنجاح منقطع النظير، من العراق الى أفغانستان. كلّ المسائل الأساسيّة التي تؤثّر في حياة الناس ومجتمعهم، قد قُرّرت سلفاً بالنّسبة إلى الليبيّين، تماماً كما حصل في العراق. النّظام الاقتصادي نيوليبرالي حرّ، تماماً كما تريده الرأسماليّة العالميّة، النّظام السياسي «ديموقراطي ليبرالي» كما تعرّفه الدّول الغربيّة، وهي سوف «تشرف» بلا كلل على عمليّة «التّحوّل الديموقراطي» تلك بكلّ تفاصيلها، الثروة الطبيعيّة لليبيا قد تقرّر سلفاً كيفيّة ادارتها، بلا نقاشات ولا حوارات وطنيّة، بل إنّه لم يُدل مواطن ليبيّ بعد بورقة اقتراع في أيّة انتخابات.
أن نعيش بلا تاريخ
أملنا يبقى في أنّ الشباب الليبي الّذي قاتل بلا خوف، من أجل كسب حرّيّته، لن يقبل أن تصير بلاده محطّة وقود لأوروبا، تديرها السّفارات الغربيّة، ولن يرضى بأن تسلبه إرادته واستقلاله حفنة من محترفي اللجوء السياسي الذين أمضوا عقوداً يحلمون بأن تقصف أميركا بلادهم الأصلية، حتى تنصّبهم زعماء، وجاء يوم مناهم. ومن يعرف شيئاً عن الاتجاهات الأيديولوجية لمقاتلي الثورة، والتنظيمات التلقائيّة الّتي خرجت في مختلف المدن الليبيّة، يعلم بأنّ الناتو ومعارضي الخارج مقبلون على مفاجآت مزعجة، وأنّهم سرعان ما سيكتشفون أنّ الديموقراطيّة في ليبيا ليست لمصلحتهم.
المفارقة الدائمة هي أنّ الليبي الّذي يريد أن يصدّق الخطاب الاعلامي، ويشعر بالشكر للناتو وقصفه، تماماً كالعراقي الشاكر لأميركا أو الأفغاني المدين للإمبراطورية بحريّته، عليه أن يعيش بلا تاريخ، أو بذاكرة مثقوبة. عليه أن ينسى أنّ الدّول نفسها الّتي تدخّلت «انسانيّاً» في ليبيا هي الّتي حاصرت بلاده بوحشيّة، لأكثر من عقد، ومنعت عنها كلّ وسائل التّقدّم، بل حتّى الدواء، حتّى صار أطفال ليبيا يصابون بالايدز بالمئات، ويموتون من شتّى الأمراض بسبب انهيار التجهيزات والرّعاية الصحيّة. الدّول التي سلبت جيلاً من الليبيين مستقبلهم، تصوغ معنىً جديداً للوقاحة، حين تتكرّم بارسال المعونات الغذائية والمواد الطّبيّة الى ليبيا، تخفيفاً من معاناة المدنيّين.
اذا أردنا أن نتتبّع منطق الخطاب الاستعماري، وأن نستوعبه، نصير كائنات بلا تاريخ، وأيضاً بلا كرامة، وبلا احترام لحياتنا ولموتانا، أي تماماً كما ينظر الينا المستعمر. علينا أن نقبل معادلات من نوع أنّ حياة حفنة من الغربيّين توازي مصائر أمم لدينا، وأنّ دماءنا أرخص من دمائهم، وأن ثأر قتلاهم لا يفوّت، أمّا قتلانا، فلا هامات فوق قبورهم. ما معنى الثورة و«الكرامة» و«الحرّيّة» إن لم تكن ثورةً على ذلك النوع بالذات من المعادلات؟
في كراهية «الغرب»
كان هادي العلوي يحمل كرهاً للغرب ولثقافته الحديثة، يصل إلى حدّ الهوس، كأنما المفكّر العراقي كان مقتنعاً بأنّ شرّاً ما يستوطن تلك الثقافة في جوهرها. مارس العلوي نوعاً من الاستشراق المعكوس ـــــ وإن وضع بعض رجالات الغرب مثل غوته في مصاف عظماء التاريخ، غير أنّهم كانوا له الاستثناء لا القاعدة. لا ريب في أنّ العلوي أُصيب بالرّعب حين قرأ تاريخ الحداثة الغربيّة: إبادات جماعيّة، حروب مستمرّة لقرون، تطهير عرقي في الداخل وفي المستعمرات، ومقدار من العنف لم تتخيّله حضارة أخرى. الشّخصيّات «الشريرة» في تاريخنا، كالحجاج بن يوسف وزياد ابن ابيه، كانوا حكّاماً وادعين أمام الأمثلة التي نراها في تاريخ اوروبّا، إذ لم يتجاوز ضحاياهم عشرات الآلاف.
لا يحتاج الفرد العربي إلى دروس في كراهية الغرب أو إلى تعبئة، كلّ ما على المواطن العربي أن يفعله هو أن يقرأ بعض تاريخه، وأن يستذكر ماضيه القريب وأن يتعلّم، مثلاً، ماذا فعل الغرب بالعراق. يمكن التمييز بين أشكال مختلفة من القصف، فهناك قصفٌ «عنيف» وقصف «همجيّ» وقصف «وحشيّ». العراق، في 1991، قُصف قصفاً وحشيّاً وبطريقة لا علاقة لها بالأهداف العسكريّة ــ فالمواجهة الحربية كانت محسومة قبل أن تبدأ.
هدّد جايمس بايكر يومها بإعادة العراق الى «العصر قبل الصناعي»، وذاك بالضبط ما فعله. كان العراق، مثلاً، سبّاقاً في استغلال ثروة الغاز الطبيعي في المنطقة، وكان عام الحرب على وشك إنهاء شبكة متطوّرة لجمع الغاز ونقله، حتّى يكون مصدراً رخيصاً للطاقة، وقاطرةً للاقتصاد العراقي، في انتاج الكهرباء، وصناعة البتروكيمياويات، والتصدير. ما المعنى العسكري في أن يحرق الطيران الأميركي شبكة الغاز العراقية؟ ما الفائدة المرجوّة من تدمير معامل البتروكيمياويات الضخمة، التي لم يكن قد جفّ طلاؤها، وثمنها لم يُدفع بعد لفرنسا؟ هل كانت أميركا مجبرة على قصف مولّدات الكهرباء ومعامل الإسمنت وكلّ منشأة صناعيّة ذات شأن، أتيح لها الوقت لضربها
ويبقى تأثير الحرب متواضعاً أمام ما تلاها. والحصار، بعكس ما يريدنا البعض أن نتوهّم، لم يكن كارثةً طبيعيّة، ولا «بسبب صدّام»، ولا قراراً طائشاً اتّخذ على عجل، بل كان سياسةً مدروسة ومصمّمة بدقّة، وقد أتيح لصانعيها الوقت المديد لمراقبة نتائجها. المنظّمات الدوليّة نشرت التقارير عن الدّمار الّذي يلحق بالمجتمع العراقي جرّاء الحصار، منذ أوائل التسعينيات، وللدكتور كامل مهدي كتاب يعتمد على دراسات ميدانيّة وثّقت النّتائج المرعبة للحصار. عُزل العراق عن الاقتصاد العالمي، لأنّ الدّول المحيطة به، ومعظم دول العالم، فضّلت أن تشارك في جريمة الإبادة على أن تخالف أوامر الإمبراطوريّة. والبعض لدينا، كما العادة، كان أكثر حماسةً ووقاحة من سيّده الأبيض، ولا يزال أرشيف الاعلام موجوداً، ويمكن مشاهدة العديد من الوجوه العربيّة تدافع بشراسة عن الحصار، وتطالب بتشديده، وتسخر من معاناة الشعب العراقي.
أغلب المعارضة العراقيّة الّتي تحكم اليوم لم تنبس ببنت شفة ضدّ اميركا والأمم المتّحدة، حين كان شعبها يُذبح، بل دعم أغلبها العقوبات، وكان ذلك الدليل الأوّل على مقدار وطنيّتها ــ ومن يعرف شيئاً عمّا فعله الحصار بالعراق، يعلم بأنّ كلّ من تورّط بإنشائه والدّفاع عنه، أو بمجرّد السكوت والصمت والتعاون، هو ببساطة لا يملك قلباً.
خاتمة
عامل الغرب المُستعمر العالم معاملة سيئة للغاية، ما إن أتيحت له الفرصة. الحداثة الغربيّة هي سلسلة من الفرص الضائعة. أتاحت الثورة الصناعية، مع منافع الاستعمار، تكديساً للثروة ووسائل الإنتاج في أوروبا الغربيّة وأميركا الشماليّة، على نحو لم يشهده التّاريخ من قبل. يُتاح اليوم للمواطن الأميركي العادي الّذي ينتمي إلى الطّبقة الوسطى، مستوىً من الاستهلاك والإنفاق لم يعرفه العالم منذ عهد أباطرة الرّومان. وكيف اختارت تلك المجتمعات أن تستغلّ ذلك الرّخاء المادّي؟ كان بإمكانهم أن يبنوا مجتمعات فاضلة، أن يبدعوا ويجرّبوا في السّياسة، وأن يتجاوزوا حدود الممكن على المستوى الإنساني والأخلاقي والتقني. بدلاً من ذلك، اختار الغرب أن يبني مجتمعات من الخوف. الخوف من فقدان تلك الميّزات التّاريخيّة. كأنّما المواطن المرفّه في أوروبا الغربية واميركا يفهم في لاوعيه أنّ رخاءه المادّي ما هو الّا نتيجة لعلاقات قوّة تجعله ينال أضعاف ما يحصل عليه نظيره الهندي، من أجل العمل ذاته، وهو، بحسب مبادئ الرأسمالية، حالٌ لا يمكن أن تدوم. تشعر الطّبقة الحاكمة في الغرب، على الدوام، بأنّها محاطة بأعداء يريدون سلبها «أسلوب حياتها»، كما كان رونالد ريغان يصرخ في حملاته الانتخابية، وأعاد جورج بوش استعمال التعابير نفسها في وجه تهديد «الإرهاب الإسلامي». أكثر المجتمعات أمناً قي العالم مذعورة على الدّوام، وإن سُلّط ذلك الخوف على أعداء مختلفين بحسب الحقبة: الشيوعيّون، الإرهاب، المهاجرون، الإسلام…. عامل الغربيّون العالم معاملة سيئة حين أُتيحت لهم الفرصة، وهم يستحقّون كلّ ما سيجري لهم.
أمّا في بلادنا، فنحن نعيش في زمن لا يحتاج إلى كثير من التنظير. والمواجهة مع قوى الاستعمار والثورة المضادّة سهلة: كل ما نحتاج إليه هو قول الحقيقة، وكلّ ما بإمكان قوى الشّرّ أن تفعله هو أن تحاول إخفاءها. بعد كلّ ما جرى لنا في العقود الأخيرة، يكفي أن تطلع أيّ عربيّ على تاريخه حتّى يصاب الصّدمة: حين يقرأ برقيات ويكيليكس، أو يعرف كيف تنفق أموال النفط، وكيف تخلّوا عن فلسطين، وما فعلوه بعبد الناصر، وما فعلوه بالعراق… المسألة قبل كلّ شيء هي مسألة إرادة، أن نفهم أنّ لنا تاريخاً وأنّنا خرجنا من رحب ذلك التّاريخ، وأنّه قصّة تستحقّ أن تُروى، ولن يكتبها لنا المستعمر…
* كاتب عربي