Site-Logo
Site Navigation

لا بديل عن الحسم في الضفة الغربية

23. June 2008

فلسطين: لا وحدة وطنية على حساب القضية

افتتاحية العدد السابع من مجلة نادي فلسطين العربي “قلم رصاص”

http://apc-vienna.org/APC/bleistift/Kalam7.pdf

رغم اتضاح معالم الدور الذي تلعبه سلطة رام الله والشريحة التي تديرها إلى حد الصفاقة والابتذال، يتواصل الكلام حول الحوار الوطني وحول الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويتصاعد اللغط مع تصاعد الخلافات بين الأقطاب السياسية الفلسطينية، لينتهي عادة بوساطة ما، وبحلّ شكليّ يكون عادة على حساب قوى المقاومة ثم ما يلبث أن ينهار تحت ضربات الواقع الفلسطيني المنشطر بطبيعته إلى قسمين: المقاومين والمساومين. وما أن يفشل القمع، وتعود قوى المقاومة إلى الساحة وتشكل تهديدا للطرف الآخر، حتى يعود الحديث عن الوحدة الوطنية، والحوار الوطني، وحرمة الدم الفلسطيني، فيتأجل الحسم، وتدور الدائرة….

عمر ما يسمّى بـ”الحوار الوطني الفلسطيني” وبالتالي التباكي على “الوحدة الوطنية الفلسطينية” هما في الواقع بعمر القضية ØŒ وسيستمر على هذا المنوال إلى أن يتم الحسم داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالتحديد على يد قوى المقاومة، وضد الذين يطلقون على أنفسهم صفة “الواقعيين”ØŒ ومن لم يعد اليوم من وصف لهم غير “الخونة”.

رغم رفضنا الاعتراف بشرعية أيّة سلطة غير سلطة المقاومة تحت الاحتلال، ونقدنا لمن يشارك فيها، فإن الانتخابات التي جرت في الأراضي المحتلة عام 2006 قد عبرت على الأقلّ بوضوح عن رغبة أغلبية الفلسطينيين بالخلاص من الشريحة التي جاءت على أكتاف اتفاق أوسلو التصفوي والتي تحكم (أو تتحكّم بالمواطنين حسب الصلاحيات النابعة من المصلحة الإسرائيلية) باسم شرعية منظمة التحرير، تلك الشرعية التي لم تنلها المنظمة شعبيا إلا بدماء المقاومين. لقد بينت الانتخابات بوضوح أن برنامج كتلة حركة حماس، وتيارالمقاومة بشكل عام هما الأقرب للتعبير عن مطالب وحاجات المواطن الفلسطيني.

لقد تجاهلت العصابة التي تدير سلطة أوسلو خيار الشعب، ورفضت المشاركة في حكومة وحدة، واستقوت بالخارج لإسقاط الحكومة المنتخبة، واستغلت الحصار المضروب من قبل العدو لإثارة مزيد من البلبلة والإرباك في صفوف المواطنين، حيث لم تظهر أموال منظمة التحرير المخزونة إلا لشراء الذمم وللتحريض على الحكومة المحاصرة، علاوة على الاستفزازات والمناوشات المسلحة من طرف المرتزقة، والعصيان الذي أعلنته أجهزة الأمن، والذي اضطر السلطة المنتخبة إلى تشكيل القوة التنفيذية، إلى آخر الحكاية التي انتهت باضطرار حماس وقوتها التنفيذية إلى الحسم العسكري ضد رؤوس الفساد في قطاع غزة.

لقد استبشرنا خيرا حين قامت حماس في العام الماضي بكسر الحلقة، وحسمت الموقف عسكريا ضد الطغمة الفاسدة التي حكمت قطاع غزة، وبعد أن طال “الحوار الوطني” والاتفاقيات التي قام الأوسلويون بخرقها تباعا في اتجاه واضح نحو التصعيد ونحو إسقاط الحكومة المنتخبة، والجدير بالذكر هنا هو أن عدد ضحايا الحسم العسكري كان أقل بكثير من ضحايا المناوشات التي جرت بين الطرفين بعيد تشكيل حماس للحكومة.

في حين يتحول قطاع غزة رغم الحصار إلى منطقة محررة تحكمها المقاومة وتعمل منها، وإلى عنصر هام في المعادلة الإقليمية، تحولت الضفة الغربية بعد انقلاب عباس على الحكومة المنتخبة إلى منطقة تشبه الحزام الأمني الذي أنشأه الاحتلال في جنوب لبنان، حيث عملت قوات ما سمّي آنئذ بـ “جيش لبنان الجنوبي” على حماية أمن الكيان الصهيوني من عمليات المقاومة. في الضفة الغربية تقوم عساكر عباس باعتقال المقاومين، وبتفكيك شبكات العمل السري، وبانتهاك الحريات الفردية بمنع “التحريض”ØŒ مؤدية وبأمانة لم يسبق لها مثيل الدور العميل الذي يرتأيه لها أصلا اتفاق أوسلو.

ما تعجز عنه عساكر السلطة تكمله قوات الاحتلال التي تدخل مناطق “سلطة المؤسسات” يوميا لقتل واعتقال المطلوبين، وذلك بتنسيق متناه مع السلطة التي تقمع الناس في النهار وتخلي الميدان ليلا لجنود العدو.

رغم تصاعد القمع الذي أدى إلى غياب ظاهري لقوى المقاومة في الضفة، لا يمكن وصف ما جرى في الضفة الغربية بالـ”حسم” لصالح سلطة أوسلو، فالكل يعرف أن نقص السلاح (Ùˆ تواجده بكثرة مع عساكر السلطة من ناحية أخرى) والحماية الإسرائيلية ستؤخر عملية الحسم وستزيدها تكلفة في الأرواح، وبالتالي فإن هيمنة سلطة أوسلو الظاهرية هي محكومة بالقرار السياسي لتنظيمات المقاومة التي فضلت التهدئة في الضفة الغربية.

الحسم النهائي لا يمكن أن يتم إلا على يد قوى المقاومة، فالطرف الآخر يعتمد بشكل شبه كلي على أجهزة قمع من المرتزقة الذين أجبرتهم لقمة العيش على العمل كعساكر أمن، في حين أن المقاومة هي وليدة الواقع وناتجة أصلا عن عجز الطرف الآخر عن تحقيق أي تغيير إيجابي في الحياة اليومية المعاشة، ناهيك عن الحديث عن إنجاز سياسي، وبالتالي فإن أي قمع يقوم به لقوى المقاومة تكون نتيجته مؤقتة، وما تلبث قوى المقاومة أن تعيد إنتاج نفسها.

الفارق بين ما يجري في الضفة الغربية وبين ما جرى في جنوب لبنان، هو أن المقاومة اللبنانية لم تتحدث عن “حرمة الدم اللبناني” عندما وجهت بنادقها إلى صدور عساكرأنطوان لحد، ولم تعتبر جيش لبنان الجنوبي شريكا في حوار وطني، بل قوة من العملاء لابد من تفكيكها كمقدمة للنصر النهائي، وهذا ما حققته المقاومة في النهاية.

أما في الضفة، فتمارس سلطة عباس بعساكرها نفس الدور العميل، محولة رام الله إلى منطقة خضراء شبيهة بتلك التي أنشأها الاحتلال ألأمريكي في بغداد، وتعمل على تصفية المقاومة التي ما زالت تتعامل معها كطرف فلسطيني شريك في حوار وطني.

الحركة الوطنية الفلسطينية بحاجة اليوم إلى إعادة نظر في كم من المسلمات والآليات المتوارثة التي ثبت عقمها. ليس السلاح ما ينقص بالدرجة الأولى، بل الهدف المشترك والبرنامج السياسي. إن الخطوة الأولى في طريق برنامج سياسي واضح المعالم هي أولا إعادة تعريف العدو والـ”الشقيق”… من أجل هدف مشترك لابد من رفع الشرعية عن سلطة عباس والتعامل معها كما هي بالفعل، أي كسلطة حكم ذاتي عميلة للاحتلال، أي كجزء من الاحتلال. عندها فقط تتهاوى هذه السلطة كبيت من ورق، وتنتقل المقاومة مجددا إلى المواجهة المباشرة مع العدو، وهذا يعيد إليهاالزخم الجماهيري الذي أجهضته المراوحات بين المقاومة والمساومة، والمنافسات على سلطة كرتونية أنشأها الاحتلال.

إن من يسيطر وبنجاح على منطقة محررة كقطاع غزة وينطلق منها كقاعدة للمقاومة لا يحتاج إلى شرعية سلطة، ولا إلى برلمان أو وزارات، فالشرعية للمقاومة التي تنظّم وتقاوم.

Topic
Archive